ذلك شيء واحد، فإرادته عَيْنُ قدرته، وقدرته عين علمه، وعلمه عين ذاته؛ وذلك لأن من أصلهم أنه ليس له صفة ثبوتية، بل صفاته؛ إما سلبية، كقولهم: "ليس بجسم، ولا متحيز، ولا جوهر، ولا عرض". وإما إضافة، كقولهم: "مبدأ وعلة". وإما مؤلف منهما، كقولهم: "عاقل ومعقول وعقل".
ويعبرون عن هذه المعاني بعبارات هائلة، كقولهم: إنه ليس فيه كثرة "كم" ولا كثرة "كيف"، وإنه ليس له أجزاء "حد" ولا أجزاء "كم"، أو إنه لا بد من إثبات واحد موحدا توحيدا منَزها عن المقولات العشر، عن الكم والكيف والأين والوضع والإضافة، ونحو ذلك.
ومضمون هذه العبارات وأمثالها نفي صفاته التي جاء بها الرسول ﷺ، وهم يسمون نفي الصفات توحيدا، وكذلك المُعْتَزَلَة ومن ضاهاهم من الجَهْمِيَّة يسمون ذلك توحيدا، وهم ابتدؤوا هذا التعطيل الذي يسمونه توحيدا، وجعلوا اسم التوحيد واقعا على غير ما هو واقع عليه في دين المسلمين.
فإن التوحيد -الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه- هو أن يعبد الله لا يشرك به شيئا، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ١.
ومن تمام التوحيد أن يوصف الله –تعالى- بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، فيصان ذلك عن التحريف والتعطيل والتكييف والتمثيل، كما قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ؟﴾ ٢.
ومن هنا ابتدع من ابتدع لمن اتبعه على نفي الصفات اسم الموحدين، وهؤلاء منتهاهم أن يقولوا: هو الوجود بشرط الإطلاق، كما قاله طائفة منهم، أو بشرط نفي الأمور الثبوتية كما قاله ابن سينا وأتباعه، أو يقولون: هو الوجود المطلق لا بشرط، كما يقوله القونوي وأمثاله، ومعلوم بصريح العقل -الذي لم يكذب قط- أن هذه الأقوال متناقضة باطلة من وجوه:
(أحدها): أن جعل عين العلم عين القدرة، ونفس القدرة هي نفس الإرادة،
_________
١ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٢ سورة الإخلاص آية: ١: ٤.
1 / 133