قيل له: لو جاز أن يرى على خلاف ما يفعل، ويثبت رؤية على خلاف ما يفعل في الشاهد لجاز أن يثبت المشاهد بخلاف ما يفعل في الشاهد. وكذلك السمع والبصر وجميع الحواس حتى يخبر على الله درك الحواس كلها بخلاف ما يعقل في الشاهد.
فإن قال: اللمس اشتغال اللامس للملموس.
قيل له: وكذلك الرؤية مقابلة الرائي والمرئي.
فإن قال: أليس قد علمت أن الله عالم، وليس هو بمحدود، ولا قائم لمحدود، ولا يجوز أن يعلم شيئا سواه؟
قيل له: بلى. /24/
فإن قال: ما تنكر أن يكون يراه محدودا، ولا قائما بمحدود، ولا يرى شيئا سواه؟
قيل له: الفرق بين الرؤية والعلم بين؛ وذلك أنه لا شيء إلا وهو يعلم، وليس لا شيء إلا وهو لا يرى، لأن الأشياء كلها مع اختلافها معلومة، وليس كلها مرئية؛ لأن المرئيات أجناس مخصوصة بأعيانها، وليس المعلومات كذلك، وقد علم المعدوم والموجود، ولا يجوز أن يرى المعدوم والموجود، وأعلم الشيء وبيني وبينه ساتر، ولا أراه وبيني وبينه ساتر، وأعلم ما كان أمس، وليس أرى ما كان أمس، وفرق كثير بين الرؤية والعلم.
فإن قال: قد قال الله: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}.
صفحه ۳۳