٨ وهذه الشهادة كلها إنما أتيتك بها من كتاب بقراط فى تدبير الأمراض الحادة وليس من كل ذلك الكتاب لكن من النصف منه لأن النصف الآخر الباقى قد يقال إنه ليس هو لابقراط فإن نظرت فيما ذكره فى كتاب الفصول فى هذا الباب وجدت معناه فيه ومعناه فى كتاب تدبير الأمراض الحادة معنى واحدا وبعض قوله فى هذا الباب فى كتاب الفصول هو هذا وإذا كان المرض حادا جدا فإن الأوجاع التى فى الغاية القصوى تأتى فيه بدءا ويجب ضرورة أن تستعمل فيه ألطف التدبير الذى هو فى الغاية القصوى من اللطافة فأى التدبير عندك هو ألطف التدبير الذى هو فى الغاية القصوى التدبير الذى يغذى فيه المريض فى كل يوم أو التدبير الذى هو على ضد ذلك أعنى الذى لا يغذى فيه المريض بتة فإن هذه اللفظة أعنى قوله ألطف التدبير هى من الألفاظ التى يسميها أصحاب النحو من اليونانيين ألفاظ الإغراق وهى أن تضع الشىء فى غاية ما يمكن أن يبلغه حتى لا يوجد فى جنسه شىء يفوقه فإن أنت وضعت أن مريضا مرض سبعة أيام وكان فى كل يوم من تلك الأيام يغتذى بغذاء لم يجز لأحد أن يقول فيه أنه مدبر بألطف التدبير لأن الذى ترك الغذاء يوما واحدا من تلك الأيام السبعة ألطف تدبيرا منه والذى امتنع من الغذاء أيضا يومين ألطف تدبيرا من تدبير الثانى والذى ترك الغذاء ثلاثة أيام ألطف تدبيرا من الثالث والذى تركه أربعة أيام ألطف تدبيرا من الرابع والذى تركه خمسة أيام ألطف تدبيرا من الخامس والذى تركه ستة أيام ألطف تدبيرا من السادس والذى امتنع من الغذاء سبعة أيام فهو ألطف تدبيرا من السابع وليس يمكن أن يكون أحد ألطف تدبيرا من هذا فالذى مدبر إذا بألطف التدبير إنما هو هذا الذى امتنع من الغذاء أيام مرضه كلها إلى أن جاز منتهى المرض ويدلك على أن هذا المعنى هو معنى بقراط الزيادة التى زادها فقال الذى فى الغاية القصوى من اللطافة وذلك أنه لم يكتف بأن يقول انه يجب أن يستعمل ألطف التدبير فى صاجب المرض الذى فى غاية الحدة على أنه ليس بعد ألطف التدبير غاية أخرى من اللطافة لكنه زاد فى قوله الذى فى الغاية القصوى من اللطافة واحتمل أن يكون معنى واحد مرتين كيما يبين معناه ويشرحه فإن البلوغ إلى الغاية قد يدل عليه قوله ألطف التدبير ويدل عليه أيضا قوله الذى فى الغاية القصوى من اللطافة وعلى هذا القياس فقد كان يكتفى بإحدى اللفظتين لكنه إنما استعملهما جميعا وهو يريد أن يدل أنه ليس من ماء الشعير فقط يمنع من كان مرضه بتلك الحال لكن قد يمنعه أيضا من ماء العسل فإن الاقتصار بالمريض على ماء العسل من ألطف التدبير إلا أنه وإن كان كذلك فليس هو من ألطف التدبير الذى فى الغاية القصوى فلما زاد فى قوله الذى فى الغاية القصوى كان المعنى الذى يشير إليه فيه هو المعنى الذى يثلب به ارسسطراطس دكسبس وابلونيس تلميذى بقراط أنهما لم يكونا يقتصران على أن يمنعا المرضى من جميع الأشياء حتى كانا يمنعان مع ذلك من الماء والأجود فيما أحسب أن أضع كلام ارسسطراطس فى ذلك بلفظه وهو هذا فقد يذكرون أن ابلونيس ودكسبس تلميذا بقراط اللذان أخذا عنه كانا يهيئان مكاييل من شمع يكون اثنا عشر منها سدس رطل ويكيلون للمريض بتلك المكاييل من الماء فى اليوم ثلاثة وكانا فى سائر تدبيرهم للمرضى يحصرانهم الحصر الشديد ويضيقان عليهم ولا يدعانهم يرزؤون شيئا بتة لأنهما كانا يريان أن كل رطوبة ينالها المريض إنما تصير مادة لحماه بمنزلة الوقود لها فهذا قول ارسسطراطس فى أن تلميذى بقراط كانا يدبران المرضى بغاية التدبير اللطيف حتى أنهما لم يكونا ينيلانهم من الماء مقدار الكفاية فضلا عن كل شىء وصاحبك هذا يتضمن من الخبر برأى بقراط ما يفوق فيه ارسسطراطس وتلميذى بقراط ثم عمد إلى كلام من كلام بقراط أخرجه لك يستشهد به على صحة ما ذكر فقطع بعضه عن كلام يتصل به فيه تمام معناه وأسقط من بعضه ما لا يتم المعنى إلا به وغير بعضه وقطع أوائل بعضه ثم ذم أهل هذا الدهر من الأطباء ونسبهم إلى أنهم يقتلون الناس من الجوع وحمد بقراط على أنه كان يشبع المريض كل يوم بزعمه وبقراط يبلغ من تدقيقه لتدبير المرضى أن لم يعط أحدا منهم الحسو المتخذ من الحنطة التى يقال لها خندروس فضلا عن سائر الأطعمة التى يعطيها جميع المرضى † إلا الخطاء † فى دهرنا هذا PageV01P10 6
[chapter 9]
صفحه ۱۰۸