٩ ولكنه يحتج فيقول ان تلك الحنطة لم تكن عرفت بعد فى ذلك الدهر ولو كانت عرفت لقد كان بقراط لا محالة يستعملها ويشبه هؤلاء الأطباء أن يقولوا مثل هذا القول ان القدماء من شعراء اليونانيين لم يذكروا هذه الحنطة ولا ذكرها بقراط فى شىء من المقالات الثلاثة التى له فى التدبير إلا أن صاحبك يقول ان ذلك الكتاب ليس هو لبقراط فإن شئت فاجعل ذلك الكتاب لفيلسطيون وإن شئت فاجعله لارسطن وإن شئت فاجعله لفانطس فما من هؤلاء أحد إلا قديم ولم يكن بحثنا هل ذلك الكتاب لابقراط بالحقيقة أم لا وإنما كان البحث هل كانت تلك الحنطة التى ذكرنا فى ذلك الدهر أم لا وإنما حملت إلينا الآن قريبا من بلاد الهند أو من بلاد الأتراك الذين فى أقصى الشمال فكان ذلك الكتاب لابقراط أو كان لفيليسطيون أو كان لأرسطون أو كان لفانطس فقد بان ووضح ما قصدنا إليه وتبين أيضا من أن القدماء من شعراء اليونانيين يذكرون تلك الحنطة وقد ذكرها أيضا الرجل الذى كتب المقالة الصغرى من المقالتين اللتين فى العلل المنسوبتين إلى ابقراط كان ذلك الرجل فولوبس وهو أشهر تلامذة ابقراط أو كان اعروفن وهو أيضا رجل نبيه كان على عهد ابقراط ولست أضايق فى هذا لكنى أسلم أن ابقراط لم يعرف تلك الحنطة إلا أنى أقول إنه لا بد من أن يكون الخبز قد كان عرف فى ذلك الوقت فما بال ابقراط لا يستعمل الخبز فى الكتاب الذى وصف فيه تدبير أصحاب الأمراض الحادة أما أنا فالجواب عندى فى هذا أسهل وأنتزعه من نص كلام بقراط حين قال إن كشك الشعير عندى بالصواب اختير على سائر الأغذية التى تتخذ من الحبوب فى هذه الأمراض وأحمد من لا يذمه واختاره على غيره وذلك لأن فيه لزوجة معها ملاسة واتصال ولين وزلق ورطوبة معتدلة وتسكين للعطش وسرعة انغسال إن احتيج إلى ذلك أيضا منه وليس فيه قبض ولا تهيج ردىء ولا ينتفخ ويربو فى المعدة لأنه قد انتفخ وربا فى الطبخ غاية ما كان يمكن فيه أن ينتفخ ويربو ففى هذه الوجوه وفى وجوه أخر شبيهة بها يحمد ابقراط فيها كشك الشعير وليس يوجد فى غيره من سائر الأغذية نصف هذه المنافع فضلا عن كلها ولذلك اقتصر ابقراط على كشك الشعير فى تدبير أصحاب الأمراض الحادة
صفحه نامشخص