وإنما قلت هذا لأدل كيف يقدر الممتحن أن يمتحن ويميز بين الطبيب الماهر وبين غيره قبل أن يجرب قوله وعمله فى المرضى. ولا يكون امتحانه له كما يمتحن الناس اليوم الأطباء ويقدمون منهم من ركب معهم فى مواكبهم واشتغل بخدمتهم الشغل الذى لا يمكن معه الفراغ لأعمال الطب. بل يكون تقديمه واختياره لمن كان على خلاف ذلك، وكان شغله فى دهره كله أعمال الطب لا غيرها.
وإنى لأعرف رجلا من أهل العقل والفهم قدمنى واختارنى من فعل واحد رآنى فعلته، وهو تشريح حيوان بينت به بأى الآلات يكون الصوت، وبأى الحركة منها. وكان عرض لذلك الرجل قبل ذلك الوقت بشهرين أن سقط من موضع عال فتكسرت من بدنه أعضاء كثيرة وبطل عامة صوته، حتى صار كلامه بمنزلة السرار. وعولجت أعضاؤه فصلحت وبرأت بعد أيام كثيرة وبقى صوته لا يرجع. فلما أن رأى منى ذلك الرجل ما رأى، وثق بى وقلدنى أمر نفسه. فأبرأته فى أيام قلائل، لأنى عرفت الموضع الذى كانت الآفة فيه فقصدت له.
صفحه ۱۰۶