وإنى لأعرف رجلا آخر سقط من دابته فتهشم. ثم عولج فبرأ من جميع ما كان ناله، خلا إصبعين من أصابع كفه، وهما الخنصر والبنصر، بقيتا خدرتين زمانا طويلا. وكان لا يحس بهما كبير حس ولا يملك حركتهما على ما ينبغى. وكان من ذلك أيضا شىء فى الوسطى. فجعل الأطباء يضعون على أصابعه تلك أدوية مختلفة، وكلما لم ينجح دواء انتقلوا منه إلى غيره. فلما أتانى سألته عن الموضع الذى قرع الأرض من بدنه فلما قال إن الموضع الذى قرع الأرض من بدنه هو ما بين كتفيه، وكنت قد علمت من التشريح أن مخرج العصبة التى تأتى هاتين الإصبعين من أول خرزة فيما بين الكتفين، علمت أن أصل البلية هو من الموضع الذى تنبت منه تلك العصبة من النخاع. فوضعت على ذلك الموضع بعض الأدوية التى كانت توضع على الأصابع. وأمرت فقلع عن الأصابع تلك الأدوية التى كانت توضع عليها. وعلمت أن وضعها هناك باطل. فلم يلبث ذلك الرجل إلا يسيرا حتى برأ. وبقى كل من رأى ذلك منى يتعجب من أن ما بين الكتفين يعالج فتبرأ الأصابع.
وأتانى رجل آخر اصابته آفة فى صوته وشهوته للطعام معا. فأبرأته بأدوية وضعتها على رقبته. وكان العارض لذلك الرجل ما أصف لك. وكان به خنازير عظيمة فى رقبته فى كلا الجانبين. فعالجه بعض المعالجين بقطع تلك الخنازير، وأورثه بسوء احتياطه بردا فى العصبتين المجاورتين للعرقين النابضين الشاخصين فى الرقبة. وهاتان العصبيتان تنبثان فى أعضاء كثيرة وتأتى منها شعبة عظيمة إلى فم المعدة. ومن تلك الشعبة تنال المعدة كلها الحس. إلا أن أكثر ما فى المعدة حسا فمها، لكثرة ما ينبث من تلك العصبة فيها. وشعبة يسيرة من كل واحدة من هاتين العصبتين تحرك واحدة من آلات الصوت. ولذلك ذهب صوت ذلك الرجل وشهوته. فلما علمت ذلك وضعت على رقبته دواء مسخنا، فبرأ فى ثلاثة أيام. وما أحد رأى هذا الفعل منى ثم صبر لأن يسمع منى الرأى الذى أدانى إلى علاجه بما عالجته. فعلم بذلك خلق كثير. فما أحد منهم علم بذلك منى، إلا عجب وعلم أن بالأطباء إلى التشريح أعظم الحاجة.
صفحه ۱۰۸