وبهذا الطريق صار رجل من رؤساء الكمريين عند رجوعى إلى مدينتنا من البلدان التى كنت نزعت إليها. على أنه لم يكن تم لى فى ذلك الزمان ثلاثون سنة، إلى أن ولانى علاج جميع المجروحين من المبارزين فى الحرب. وكان قد تولى أمرهم قبل ذلك رجلان من المشاريخ أو ثلاثة. فلما أن سئل ذلك الرجل عن طريق المحنة التى امتحننى بها حتى وثق بى فولانى أمرهم، قال «إنى رأيت الأيام التى أفناها هذا الرجل فى التعليم أكثر من الأيام التى أفناها غيره من مشايخ الأطباء فى تعلم هذا العلم. وذلك أنى رأيت أولئك يفنون أيامهم فيما لا ينتفع به. ولم أر هذا الرجل يفنى يوما واحدا ولا ليلة واحدة من عمره فى الباطل. ولا يخلو فى يوم من الأيام ولا فى وقت من الأوقات من الارتياض فيما ينتفع به. وقد رأيناه أيضا فعل أفعالا قريبا هى أصح فى الدلالة على حذقه بهذه الصناعة من كثرة سنى هؤلاء المشايخ.»
وقد كنت حضرت مجلسا عاما من المجالس التى يجتمع فيها الناس لاختبار علم الأطباء. فأريت من حضر أشياء كثيرة من أمر التشريح. وأخذت حيوانا من القرود فشققت بطنه حتى خرجت أمعاؤه. ودعوت من حضر من الأطباء إلى ردها وخياطة البطن على ما ينبغى، فلم يقدم أحد منهم على ذلك. وعالجناه نحن فظهر منا فيه حذق ودربة وسرعة كف. وفجرنا أيضا عروقا كثيرة كبارا بالتعمد ليجرى منها الدم بسرعة. ودعونا مشايخ من الأطباء إلى علاجها، فلم نجد عندهم شيئا. وعالجناها فتبين لمن كان له عقل ممن حضر، أن الذى ينبغى أن يولى أمر المجروحين من كان معه من الحذق ما معى. فلما ولانى ذلك الرجل أمرهم، وهو أول من ولانى هذا الأمر، اغتبط بذلك. وذلك أنه لم يمت من جميع من ولانى أمره من المجروحين إلا رجلان فقط. وقد كان مات ممن ولاه طبيا كان قبلى ستة عشر نفسا. ثم ولانى بعده أمرهم رجل آخر من رؤساء الكمريين، فكان بتوليته إياى أسعد. وذلك أنه لم يمت أحد ممن ولانيه، على أنه قد كانت بهم جراحات كثيرة جدا عظيمة.
صفحه ۱۰۴