ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية فحيث قام به البعض من المسلمين سقط الحرج بقيامهم عن الباقين، واختص الثواب بالقائمين فقط. وحيث قصروا كلهم عم الإثم والحرج كل عالم بالمنكر منهم يستطيع إزالته وتغييره بيد ولسان.
وأول ما يجب عند مشاهدة المنكرات التعريف والنهي بلطف ورفق وشفقة، فإن حصل بذلك المقصود وإلا انتقل منه إلى الوعظ والتخويف والغلظة في القول والتعنيف ثم إلى المنع والقهر باليد وغيرها ومباشرة تغيير المنكر بالفعل. أما الرتبتان الأوليان -التعريف باللطف والوعظ والتخويف- منهما فعامتان والغالب فيهما الاستطاعة ومدعي العجز عنهما متعلل ومتعذر في الأكثر بما لا يقوم به عذر، وأما الرتبة الثانية التي هي المنع بالقهر وتغيير المنكر فلا يستطيعه ويتمكن منه في الأكثر إلا من بذل نفسه لله تعالى، وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله، وصار لا يخاف في الله لومة لائم، أو كان حاكمًا أو مأذونًا له من قبله.
والحاصل أن الإنسان يأتي من ذلك بما يستطيع ولا يقصر في نصرة دين الله ولا يعتذر في إسقاط ذلك بالأعذار التي لا تصح ولا يسقط بها ما وجب عليه من أمر الله.
واعلم أن الأخذ بالرفق واللطف، وإظهار الشفقة والرحمة، عليه مدار كبير عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعليك به ولا تعدل عنه ما دمت ترجو نفعه وحصول المقصود به وفي الحديث: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه" ١ وورد أيضًا "أنه لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به رفيق فيما ينهى عنه"٢.
_________
١ حديث صحيح، ومن حديث أنس وعائشة، وقد خرجته في التعليق على "المشكاة" "٤٨٥٤".
٢ حديث لا يعرف له أصل إنما هو من أحاديث الغزالي في "الإحياء" "٢: ٢٩٢" وقال الحافظ العراقي: "لم أجده هكذا، والبيهقي في "الشعب" من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف". قلت: هذا التخريج يوهم أن إسناده إلى عمرو سالم من العلة، وليس كذلك، فإن دونه ثلاثة من الضعفاء على التسلسل كما بينته، في "الأحاديث الضعيفة" "٢٠٩٧".
1 / 31