الجبن والضعف المانعين من نصرة الدين ومجاهدة الظالمين والفاسقين لردهم إلى طاعة الله رب العالمين، فإن الغضب لله والغيرة له عند ترك أوامره، وارتكاب نواهيه، وزواجره، شأن الأنبياء والصديقين، وبذلك وصفوا، واشتهروا وعرفوا، كما ورد في الحديث أنه ﵊ كان لا يغضب لنفسه، فإذا انتهك شيء من حرمات الله تعالى لم يقم لغضبه شيء١ وكما قال ﵊ في حق عمر بن الخطاب ﵁: "تركه قوله الحق وما له في الناس من صديق"٢ وقال تعالى في وصف أحبابه من المؤمنين: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ .
فتبين أن المؤمن الكامل لا يقدر أن يملك نفسه عند مشاهدة المنكرات يغيرها أو يحال بينه وبين ذلك بما لا طاقة له على دفعه. وأما المنافق ومن ضعف إيمانه جدًّا فإذا رأوا المنكرات تعللوا وعذروا أنفسهم بالأعذار الركيكة التي لا يقوم بها حجة عند الله وعند رسول الله ﷺ، وتراهم إذا شتموا أو ظلموا بشيء من أموالهم يقومون أتم القيام ويغضبون أشد الغضب، ومن فعل معهم ذلك يخاصمونه ويصارمونه الزمان الطويل، ولا يفعلون شيئًا من ذلك مع المصرين على الظلم والمنكر المضيعين لحقوق الله، وأن المؤمنين الصادقين على العكس من ذلك يغضبون لله ولا يغضبون لأنفسهم ويقاطعون من عصى الله وترك أمره ويصارمونه إذا لم يقبل الحق ويصفحون ويتجاوزون عمن ظلمهم أو شتمهم. فانظروا الفرق ما بين الفريقين وكونوا مع أحسنهم فريقًا، وأقومهم طريقًا ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ .
_________
١ غريب بهذا اللفظ، والمعروف من حديث عائشة بلفظ: " ... وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها". أخرجه مالك "٢/ ٩٠٢/ ٢" وعنه البخاري "٢: ٣٩٤" ومسلم "٧: ٨٠" وأحمد "٦: ١١٤، ١١٦، ٢٦٢".
٢ حديث ضعيف جدًّا، وقد استغربه الترمذي، واستنكره جمع، وبيانه في الضعيفة "٢٠٤٩".
1 / 30