وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم كما تخرب الدور )(1) فاجتنبه فإن النجاة من هذه الأمور التي تتعدى إلى الغير بعد وقوعها تعسر جدا وعلى قدر عظمها فيهم تكون أشق لأنه لا نجاة إلا بالخروج عن حقهم والرجوع إليهم بخلاف سائر المعاصي فإن الرجوع منها إلى ملك كريم غفور رحيم، قد رآك عليها فعفى عنك، فله الحمد في الآخرة والأولى حمدا لا ينعد ولا يحصى.
الآفة الثالثة أخذ عطايا الظلمة
ولست أعني بذلك المغصوبات، فإن ذلك قد تقدم بيانه، ولكني أعني به ما كان يحل أخذه من غيرهم، نحو زكوا تهم وأعشارهم، وما يكون من خواص أموالهم، فإن في أخذها إعظاما وإيهاما وإشكالا، إذ لا إشكال أنك إذا رددت فقد استخففت، لا يعرف غير ذلك ففيه إتيان بحق الله الواجب عليك، وإذا أخذت فقد منعت حق الله فيهم، وعلى حسب منزلتك عند الناس يجب عليك من هذا الحق ما لا يجب على غيرك، فإنه لو أخذ منهم رجل لا يعرفونه ولا يعرفه أهل البلد الذين يعلمون بأخذه لا نقول: إنه يحرم عليه إلا ان يكون عين الحرام، وإن كان لو رد لكان قد أتى بحق من حقوق الله عز وجل، ولو أن الأخذ منهم لم يورث الإيهام والإعظام، فهو مورث لإسقاط حق الله تعالى وهو الاستخفاف، وموقع للمحبة في القلب (فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها)(2) بهذا تحدث النبي.
وقال الإمام الزاهد محمد بن القاسم الرسي(3) عليهم السلام: "لا تؤخذ أعشارهم إلا ان يكون المؤمن في حال قطيعة يخشى معها التلف، أخذ ما يمسك به الرمق فقط، ويترك الزائد قال: ويكون حالها كالميتة".
صفحه ۵۵