وعنه أنه قال:(من سأل الناس أموالهم تكثرا فكأنما يسأل جمرا، فليستقل عبد أو ليستكثر). (4) هذه الخصلة آخر ما ذكرته من آفات اللسان، وإن كان هفواتها كثيرة، والتحرز منها عسير، وقد روى عن أبي بكر أنه لما حضرته الوفاة جعل ينضنض(1) بلسانه ويقول:(هذا الذي أوردني الموارد)(2) فالواجب على العاقل أن ينظر قبل أن يتكلم، فإن كان الكلام واجبا أو مندوبا تكلم، وإن كان قبيحا سكت، وإن كان غير ذلك فالأحوط أن يسكت.
ومن كلام الحكماء إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب) ومن استفتاحاتهم من صمت نجا).
وعن النبي ولما وصل لقمان عليه السلام إلى داود صلوات الله عليه رآه يعمل درعا وهي أول درع رئيت في الدنيا فلم يدر لقمان ما هي، ولم يزل يراود نفسه هل يسأل أو يسكت، فتبين له فضل السكوت، فملك نفسه فلما أتمها داود عليه السلام لبسها وجال فيها وقال: نعم جنة الحرب أنت. فعلم لقمان عند ذلك أنها أريدت للحرب بغير سؤال، فكان ذلك سبب قوله: (الصمت حكمة وقليل فاعله) فافهم هذا واعمل به موفقا إن شاء الله تعالى. والله لي ولكافة المسلمين.
اليدان
اعلم أن اليدين من أعظم النعم وأجلها، وهما آلتا البدن وقدرتاه، يأخذ بهما ويعطي، ويوفي ويستوفي، ثم هما آلتا العبادة، فبهما تطهر وتطهر ثيابك، وبهما تركع وعليهما تسجد، وبهما تجاهد وإمامك تعاهد، ومبنى جزيل من المنافع الدينية والدنيوية عليهما، وآفاتهما كثيرة، وهما أخف من غيرهما في الضبط عما يحرم فإنهما تبع للقلب، فبحراسة القلب يصلح مزاجهما على الطاعة، وبفساده يفسدان، فاحفظهما عن جميع ما يحرم، وخصوصا عن خمس آفات هي الغالبة عليهما من المحظورات.
صفحه ۵۳