فهذه حالتنا مع الله تعالى بل هي أعظم لأنه خلق لنا الحياة والشهوة والمشتهي والعقل ووكل الانتفاع بذلك إلينا، وعرفنا أنه لا يحتاج لشئ من ذلك، فتحققنا ذلك وعلمناه، وبين لنا أيضا أن معصيتنا له لا تضره، وإنما هي تضرنا، ويرجع وبالها علينا، ولا أعظم من معصيتنا له، ولا أكبرمن جرأتنا عليه.
فإن انضاف إلى ما تقدم خصلة سادسة وهي أن يكون هذا السيد المالك مدرا بنعمته على هذا العبد في كل يوم من الأيام بحيث يعطيه كل يوم غير ما أعطاه أولا معه، فإن مقابلة ذلك بالمعصية له يكون أعظم الكفران، وأخسر الخسران، بحيث تزيد على ما تقدم بدرجات كثيرة، لا تكاد يدرك كنهها، ولا يعرف تفصيلها.
وهذه حالتنا مع القديم جل وعز فإنه يجدد لنا في كل يوم بل في كل ساعة بل فيما هو أقل من الساعة نعما لا تحصى ولا تنعد، ولو لم يكن إلا هذا الروح الذي يجريه لنا في كل وقت وحين، وكذلك العقل والشهوات، وأجناس ذلك لكان لنا فيه كفاية، كيف والنعم دارة علينا لا تنفك منا، وليس علينا نعمة تتجدد في كل وقت وأوان إلا من الملك الديان قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}(1) وقال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}(2) فمعصيتنا له مع ذلك أعظم العصيان فالله المستعان.
وإذا انضاف إلى ما تقدم خصلة سابعة
وهي أن تكون معصية العبد بنفس هذه النعم المتوالية عليه من مولاه العظيم كانت أعظم وأكبرمن جميع ما تقدم، نحو أن يهب له سيفا محليا بأنواع الجواهر واليواقيت والعسجد، ويكون السيف من الفضة، فيضرب هذا العبد الذليل بهذا السيف الحسن الذي هو نعمة الملك أحب أولاده إليه، فإن هذا من أعظم الجرائم وأرذل الرذائل.
صفحه ۲۳