وهذه حالتنا مع ربنا جل وعز، أعطانا نعمته فعصيناه بها فإنه لا يمكننا أبدا أن نعصيه إلا بنعمته لأن الجوارح كلها وجميع الأموال، بل كل الأجسام هي نعمة من الله تعالى علينا وخلقه وملكه ولا يمكن أحدا أن يعصيه إلا بها وفيها، فالله المستعان، وإياه أسأله التوفيق والاعتصام من جميع أنواع العصيان.
فإن انضاف إلى ما قد تقدم خصلة ثامنة وهي أن تكون حالة تسليم هذا الملك العظيم نعمه الجسيمة إلى عبده في حالة مقابلة العبد له بمعصيته كأنه أخذها من الملك بشماله ولطمه في تلك الحال بيمينه فإنه لا معصية فوق ذلك ولا طاعة من هذا العبد أبدا يعتذر بها مع ذلك.
وهذه حالتنا مع الملك العظيم الرب الرحيم، فإنا نقابله بالمعصية في حال إدراره النعم، وهذا غاية الكفران، ونهاية العصيان.
فإذا انضاف إلى جميع ما تقدم خصلة تاسعة وهي أن يكون هذا السيد المالك ضمن لهذا العبد الخسيس على تركه العصيان له والمخالفة لأمره ضمانات عظيمة وممالك جسيمة لا يبلغ إلى وصفها ولا يعلم كنهها إلا الضامن بها لعظم أمرها، ثم يعصيه مع ذلك بنعمته على الأحوال التي ذكرناها فإن ذلك العبد يكون من أخس الأخسين ولو أطاع غاية الطاعة ثم أتى بمعصية على هذه الحالات التي ذكرناها فإنه لا يعتد بطاعته بل تكون مستغرقة في ضمن معصيته ومخالفته.
وهذه حالة الواحد منا مع ربه عز وجل، فإنا لا نعصي الله تعالى معصية إلا وقد وعدنا على تركها أعظم الممالك واجلها، والإنعامات منه إلينا واردة، والجنآيات منا إليه صاعدة ومن هاهنا قال: يقول الله عز وجل: (يا ابن آدم ما تنصفني أتحبب إليك بالنعم وتمقت إلى بالمعاصي، خيري إليك منزل وشرك إلى صاعد، ولا يزال ملك كريم ياتيني عنك كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته) (1) صدق الله العظيم ورسوله الكريم ونستغفر الله العظيم من جميع ذنوبنا.
صفحه ۲۴