فإن انضاف إلى هذه الخصلة ثانية وهي: أن يكون السيد شريفا عظيم القدر والشأن كانت حينئذ معصية العبد له زائدة بزيادة عظيمة على الأولى بدرجات كثيرة، حتى إن معصية غير العبد له ربما ساوت معصية العبد لمولاه الذي ليس له مثل في الشرف والجلالة، أوزادت على ذلك، وهذه الخصلة حاصلة فينا على أبلغ الوجوه فأنه لا أعظم من ملك الله تعالى وسلطانه، ولا أعلى ولا أكبرمن شأنه، بل هو المتفرد بالملك والإلهية والسلطان العالي شأنه على كل شأن، فلا أحد مثله ولا إله غيره، فمعصيتنا له أعظم معصية، وخيانتنا في ذلك أعظم خيانة.
فإن انضاف إلى هذه الخصلة خصلة ثالثة وهي: أن تكون الخيانة من العبد حصلت في ملك هذا السيد وبلاده، التي استولى عليها فإن ذلك لا يساوي وقوعها من خارج ملكه، وهذه حالة الواحد منا ما يعصي ربه إلا في دار مملكته، فإن الدنيا وما فيها لله لا شريك له في ذلك.
فإن انضاف إلى ذلك خصلة رابعة وهي أن الجناية وقعت في خواص الملك أو كبار جنوده، أو بعض قواده في نفس أو مال أو عرض كان ذلك أكبروأعظم من مخالفته لهذا السيد المعظم فيما يختص نفسه من الخدمة وهذه حالة الواحد منا في معصية الله تعالى فيما يتعدى إلى المؤمنين الذين هم أصفياء رب العالمين.
فإن انضاف إلى ما تقدم خصلة خامسة وهي أن يكون هذا الملك منعما على هذا العبد نعما زائدة على الإنفاق المعهود للخدام أضعافا مضاعفة، نحو أن يوليه ممالك وأموالا عظيمة، ويقول له: إن غرضي بخدمتك في هذه الممالك ما يرجع إلا الى منفعتك، فإني لا أحتاج إلى شئ من تصرفك، ولا إلى صغير ولا كبير مما خولتك، فإن معصية هذا العبد فيما يرجع إلى منفعة العبد تكون من أعظم الجرائم، وأكبر المآثم، حتى لا يساويها شئ مما ذكرناه أولا، أصلا أبدا.
صفحه ۲۲