ثم ذكر تعالى أن في المرة الثانية أراد الأعداء أن يفعلوا معهم كما فعلوه أول مرة ، فذكر تعالى أنه رحمهم ولم يسلط عليهم عدوهم ، بل أجارهم من ذلك وأدالهم على أعدائهم ( فنحن أيضا أيتها الأمة المحمدية ) قد ابتلينا في بيت المقدس باستحواذ الأعداء عليه في حدود ( الخمسمائة سنة ) وأنه استمر في أيديهم ( تسعين سنة ) حتى أنقذه الله من أيديهم على يد الملك الناصر( صلاح الدين يوسف ) كما تقدم فليس لهم إليه بعد ذلك سبيل (¬1) إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة وعليه التكلان ، لأن هذه الأمة أحق بكل خير وعز ونصر من جميع الأمم المتقدمة لشرفها بشرف نبيها على سائر النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهذه الأمة اكثر عددا وعددا وأعز جندا وأعظم مملكة وأوسع بلادا ممن تقدمهم بكثير .
( وأما السنة ) فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث النواس بن سمعان وغيره رضي الله عنهم في نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان من السماء على المنارة الشرقية بدمشق وهي محاصرة بجيوش الدجال وقت صلاة الفجر وقد أقيمت الصلاة ، فيقول له إمام المسلمين (( تقدم يا روح الله )) فيقول (( لا ، إنما أقيمت الصلاة لك )) فيصلي وراء إمام المسلمين ، تكرمة الله هذه الأمة ، ثم يكون عيسى عليه السلام في هذه الأمة بمنزلة الإمام الأعظم ، كما ثبت في الصحيحين : (( لينزلن فيكم عيسى بن مريم إماما عادلا وحكما مقسطا ، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام )) بمعنى أنه لا يقبل من غير مسلم جزية ، ولا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف ، وهذا إخبار رسول الله صلى الله عليه عما يفعله عيسى عليه السلام وتشريع وتسويغ (¬2) .
( ثم ينهض ) عيسى عليه السلام بمن معه من المسلمين نحو الدجال فيفر منه ، فيتبعه حتى يدركه ( بباب لد (¬3) فيقتله بحربته كما بسطنا ذلك في كتاب( الفتن والملاحم ).
صفحه ۱۸