ومثال ما يرويه من الضعيف ويبين علته: ما رواه أبو داود: عن عائشة: أن هند بنت عتبة، قالت: يا نبي الله! بايعني. قال: "لا أبايعك حتى تغيري كفيك، فكأنهما كفا سبع".
قال: "فيه ثلاث نسوة لا يعرفن: غبطة بنت عمرو، عن عمتها أم الحسن، عن جدتها".
وذكر رواية أخرى لأبي داود: عن عائشة أيضًا: أن امرأة ناولته كتابًا من وراء ستر، فقبض يده، وقال: "ما أدري أيد رجل أو امرأة؟ " قالت: بل يد امرأة، قال: "لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحنا".
قال المصنف: "فيه صفية بنت عصمة، وكل هؤلاء عدم".
وهكذا يفعل في كل حديث ضعيف ذكره في كتابه، بالإِضافة إلى ما يقوم به من استقراء طرق الحديث الضعيف، مع بيان ما في كل طريق من العلة الموجبة لسقوط الإحتجاج به.
ومن هنا كان كتاب "إحكام النظر في أحكام التظر بحاسة البصر، لابن القطان من أهمِّ المؤلفات في فقه الحديث، إذ جمع فيه بين الرواية والدراية، على عادة المحدثين الفقهاء.
ومن خصائص هذا الكتاب: إنه يمتاز بإتقان الصنعة، واستيعاب المادة، وتتبع جميع الجزئيات المتعلقة بالنظر، وذكر ما ورد فيها من الخبر مع بيان ما ينبغي بيانه، من غير تعصب مذهبي أو جمود فقهي.
وهذه الدراسة بمثل هذا النَّفَس لا تتأتَّى إلا للعالم الخبير المختص في علوم الحديث رواية ودراية، وكان ابن القطان من الجهابذة في علوم الحديث والفقه وأصوله، وبذلك كانت إنتاجاته العلمية تحظى بالقبول والرضا من طرف عامة علماء المشرق والمغرب.
1 / 61