وانظر ما حكاه ابن عبد البر في "التمهيد" من وقوع الإِجماع على أن للمرأة أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين (١)، وما حكاه المصنِّف أيضًا عن إسماعيل القاضي وابن المنذر، ولهذا يكون ما ذهب إليه ابن القطان في إبداء الوجه والكفين هو المشهور عند الجمهور، ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في "سننه": من حديث خالد بن دريك، عن عائشة ﵄: أنَّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: "يا أسماء إنَّ المرأةَ إذا بلغتِ المحيضَ لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه.
لكن قال أبو داود وأبو حاتم الرازي: هو مرسل، خالد بن دريك لم يسمع من عائشة ﵄ انظر تعليقًا على الحديث رقم (١٧٦) في (الفصل الثاني من الباب الثاني) - فالمصنف إذن يأخذ برأي الجمهور فيما تكون فيه الفتوى مظنونة.
أما فيما يتعلَّق بطريقة إيراده للأدلة، فإن منهجه في ذلك: أن يذكر الأحاديث الصحيحة بغير إسنادها، وما فيه عند المحدثين نظر يذكره بإسناده مع التنبيه على ما فيه من الإحتمال، وما كان من الحديث ضعيفًا يذكر متنه وموضع العلة من الإِسناد.
ومثال ما يرويه بإسناده، وفيه نظر عند المحدثين: حديث جويرية. قال: قال أبو داود: إنَّ عبد العزيز بن يحيى الحواني أبو الأصبغ، قال: حدثنا محمد -يعني ابن مسلمة- عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت:
وقعت جويريةُ بنتُ الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو ابن عمٍّ له، فكاتبت على نفسها، وكانت امرأة صالحة، تأخذها
_________
(١) التمهيد: ٦/ ٣٦٤ - ٣٦٥.
1 / 59