وكذلك فعل بالنسبة لأمر الوجه والكفين؛ فقد حكى في إظهارهما من المرأة للأجانب خلافًا، سببه: اختلاف المفسرين في قوله تعالى: ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١].
وبعد حكايته الأقوال الواردة عن المفسِّرين في الزينة الظاهرة، تعرَّض لما ورد من الأخبار في الوجه والكفين، وقد أفاض في مناقشة جميعها بنَفَس المحدِّث الناقد البصير، والفقيه الواسع النظر البعيد الغور، وانتهى إلى ضرورة الأخذ بما تظاهرت به الظواهر، وتعاضدتْ عليه، من جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها؛ شريطة أن لا تقصد بذلك التبرج واظهار المحاسن ... وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وهو ما روي عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعائشة وأبي هريرة في الزينة الظاهرة.
وقال ابن عبد البر في (التمهيد: ٦/ ٣٦٩): "وعلى قول ابن عباس وابن عمر الفقهاء في هذا الباب".
كما رجَّح ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن"، (١) هذا القول في الزينة الظاهرة، واحتجَّ بأن المرأة تظهرهما في الصلاة والإِحرام، كما تظهرهما في العادة، وحكاه المصنِّف مذهبًا لإِسماعيل القاضي ...
وعلى هذا فيجوز بُدُوُّهما (أي: الوجه والكفين) والنظر إليهما من غير ريبة أو مكروه، وقد ذكر ذلك ابن عبد البر في "التمهيد" فقال:
"وجائز أن ينظر لذلك منها، كل ما نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة، فحرام تأملها من فوق ثيابها، فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة" (٢).
_________
(١) أحكام القرآن: ٢/ ١٠١.
(٢) التمهيد: ٦/ ٣٦٥.
1 / 58