كَشفَها، رَدَّها وكَشَف عن عللها، ولمَّا كانت أحاديث الصحيحين كَشْفَها، لم تدلَّ على المقصود دلالة بينة، وان كانت صحيحة، لم يعتمدها دليلًا مبيحًا لكشف الفخذ، فلجأ إلى اللغة لتحديد معنى العورة فيها، فوجد أنَّ العورة في اللغة هي: كلُّ ما يُستحيى منه، وأمر الفخذ كذلك، إذ ليس من المروءة كشفه، وبذلك أوجب ستره وحرم النظر إليه، لكن أمره أخفُّ من أمر السوءتين ...
وهذا الذي انتهى إليه ابن القطان في أمر الفخذ هو شبيه بما ذهب إليه ابن رشد في "المقدمات"؛ إذ قال بعد ذكره الآثار الواردة في الفخذ:
"والذي أقول به: إن ما روي عن النبي ﷺ في الفخذ ليس باختلاف تعارض، ومعناه: أنه ليس بعورة يجب سترها فرضًا كالقبل والدبر، وأنه عورة يجب سترها في مكارم الأخلاق ومحاسنها، فلا ينبغي التهاون بذلك في المحافل والجماعات، ولا عند ذي الأقدار والهيئات، فعلى هذا تستعمل الآثار كلها، واستعمالها كلها أولى من اطراح بعضها" (١).
وهذا ما يفهم أيضًا من كلام البخاري: "وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط" بأنه يحتمل أنه يريد بالإحتياط: الوجوب، الورع، وهو أظهر، لقوله: "حتى يخرج من اختلافهم".
وقد جمع ابن القيم أيضًا بين الآثار الواردة في الفخذ فقال: "وطريق الجمع بين هذه الأحاديث: أن العورة عورتان: مخففة ومغلظة، فالمغلظة: السَّوءتان، والمخففة: الفخذان.
ولا تنافي بين الأمر بغضِّ البصر عن الفخذ لكونها عورة، وبين كشفها لكونها عورة مخففة" (٢).
_________
(١) المقدمات: ١/ ١١٠.
(٢) تهذيب ابن القيم بهامش مختصر سنن أبي داود: ٦/ ١٧.
1 / 57