فلما ورد المدينة فرق ذلك المال في مستحقي أهل بيته، وكان الحسين بن علي الفخي عليه السلام استشهد وعليه دين كثير فقضى دينه من ذلك المال.
وكان هارون يخشى جانبه ولا يسكن إليه، فأشخصه إلى بغداد، وأظهر أنه قد وقف على اشتغاله بالدعوة وإنفاذ الرسل إلى خراسان وسائر النواحي في الدعاء إلى نفسه، وعرض نسخة الأمان الذي كتبه له على جماعة من بحضرته من الفقهاء والقضاة واستفتاهم في التأول فيه، فقال محمد بن الحسن: هذا أمان لا سبيل إلى نقضه، وقال الحسن بن زياد مثل ذلك، إلا أنه خفف القول ولم يجسر على المبالغة فيه كما بالغ محمد بن الحسن، واقتصر على أن قال بصوت ضعيف: هو أمان.
والمعروف بأبي البختري تقرب إليه بأن قال: إذا كانت الصورة في أمر يحيى بن عبد الله كما يقول أمير المؤمنين فهذا الأمان يجوز نقضه وأخذ الكتاب ومزقه، ففرح به هارون وولاه قضاء القضاة، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة، ثم رضي عنه.
وحبس يحيى بن عبد الله في أضيق الحبوس، وكان مرة يوسع عليه قليلا ومرة يضيق عليه، وأخرجه مرة من الحبس وأحضره مجلسه وجرى بينه وبينه خطاب طويل.
وادعى عليه عبد الله بن مصعب الزبيري أنه دعاه إلى بيعته، فقال يحيى عليه السلام: إن هذا بالأمس بايع أخي محمدا ومدحه بقصيدة قال فيها:
صفحه ۸۰