ابراهیم ابو الانبیا
إبراهيم أبو الأنبياء
ژانرها
6
أما لوط فاختار السهل إلى ناحية نهر الأردن غير بعيد من مدينة سدوم، وكانت مدينة عامرة قضى الله عليها بالخراب لما سنبينه في موضعه.
وكانت سدوم مزدهرة في العصر الذي سيطر فيه الآشوريون على آسيا، وغزرت ثروتها، وتكاثر عدد شبابها، وحكم أرضها خمسة ملوك؛ هم: بالاس، وبالياس، وسينابان، وسنفبر، وملك البالان، كل منهم في إقليمه. وزحف الآشوريون على هؤلاء الملوك الخمسة بعد أن قسموا جيوشهم إلى أربعة أقسام، يقود كل جيش منها قائد غير قواد الجيوش الأخرى، ثم ضربوا عليهم الحصار، ودارت المعركة بينهم، وفرض الآشوريون جزية على الملوك السدوميين.
وخضع هؤلاء الملوك اثنتي عشرة سنة يؤدون الجزية التي فرضت عليهم، ولكنهم ثاروا في السنة الثالثة عشرة، فجرد عليهم الآشوريون جيشا بقيادة أمرا بسيدس وأريوخ وقدر لعومر وثدال، وعاث هؤلاء في سورية جميعا، وأخضعوا سلالة الجبارين، ثم بلغوا سدوم وعسكروا في الوادي المعروف بحفرة القار؛ إذ كان الوادي كثير الحفر حين كانت سدوم عامرة، ثم امتلأت الحفر بالماء بعد تدميرها، وأصبحت بحيرة تسمى بالأسفلتية. وسأعود إلى خبر هذه البحيرة قريبا.
واشتبك السدوميون والآشوريون في قتال عنيف هلك فيه كثيرون، ووقع الباقون من السدوميين في الأسر، وكان بين الأسرى لوط وقومه؛ لأنهم حالفوا السدوميين.
وسمع إبراهيم بالنكبة فداخله الخوف على قريبه لوط، والإشفاق على أصحابه وجيرانه السدوميين، واعتزم التعجيل بإنقاذهم، وخرج في الليلة الخامسة فانقض على الآشوريين بالقرب من مدينة دان على إحدى شعبتي نهر الأردن، وفاجأهم قبل أن يستعدوا بالسلاح، وذبح بعضهم وهم على فراشهم جاهلين بمصيرهم، وهرب الآخرون الذين استلقوا على الفراش سكارى ولما يستغرقوا في الرقاد، فجد إبراهيم في اقتفاء أثرهم حتى بلغ «أوبه» بأرض الدمشقيين، ودل بذلك على أن النصر لا يتوقف على كثرة الأيدي، وأن الغيرة والصلابة تغلبان العدد الكثير؛ لأنه انتصر بثلاثمائة وثمانية عشر من عبيده وثلاثة من أصحابه على ذلك الجمع الكبير، وأرسل بقيتهم ناجين بالخزي إلى ديارهم.
ولما خلص إبراهيم السدوميين ومعهم قريبه لوط عاد في سلام، ولقيه ملك سدوم في المكان المسمى بالوادي الملكي، واستقبله هناك ملك سليمي ملكي صادق، ومعنى هذا الاسم: الملك الصديق، وهو اسم اشتهر به بين الجميع، فاختاروه كاهنا لله، وأصبحت سليمي هذه المكان الذي عرف بعد ذلك باسم «أورشليم».
ورحب ملكي صادق بإبراهيم، ووسعه ومن معه في ضيافته، وجعل في أثناء الضيافة يثني على إبراهيم، ويحمد الله الذي أسلم أعداءه إلى يديه، فقدم له إبراهيم عندئذ عشر الغنائم، فقبل الهدية. أما ملك سدوم فقد رجا إبراهيم أن يستبقي له كل الغنائم، ولم يطلب غير رعيته التي أسرها الآشوريون، فأبى إبراهيم أن يأخذ شيئا غير طعام عبيده، ووهب بعض الغنائم لشركائه في القتال، وأولهم أسخون، والآخران عنر ومامبر.
ورضي الله عن هذه المأثرة منه وقال له: إنه لن يضيع جزاءه على هذا العمل الطيب، فأجاب إبراهيم: وأي شيء يسرني من هذا الجزاء إن لم يكن لي وريث بعدي؟ فأنبأه الله أنه سيعقب ولدا تبلغ ذريته عدد النجوم في كثرتها، فقرب إبراهيم إلى الله قربانا حسب أمره عند سماعه بهذه البشرى، وكان القربان على هذا النحو؛ إذ أخذ عجلا ابن ثلاث سنوات، وحملا ابن ثلاث سنوات كذلك، ويمامة وحمامة، وذبحها وشطر كلا منها شطرين ما عدا الطير، وقبل أن يقام المذبح، ولما تزل جوارح الطير تحوم على الذبائح، متعطشة الدم، سمع صوتا إلهيا يقول له: إن ذريته ستلقى الشر من جيرة مصر أربعمائة سنة، ولكنهم بعد العذاب يغلبون عدوهم، ويقهرون الكنعانيين في القتال، ويملكون أرضهم ومدائنهم ...
وكان إبراهيم يعيش على مقربة من بلوطة عجيج، غير بعيد في أرض كنعان من مدينة الحبرونيين، حيث أخزنه عقم زوجته فصلى لله كي يرزقه ولدا ذكرا، وأمره الله أن يوقن من ذلك كما أيقن بالخير من طاعته لأمر الله الذي أمره بالهجرة من العراق.
صفحه نامشخص