وقد غمر الشرقيون الفارابي بالمدائح؛ فقد قال القفطي عنه: «برز على أقرانه، وأربى عليهم في التحقيق، وشرح الكتب المنطقية، وأظهر غامضها، وكشف سرها، وقرب متناولها، وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة، لطيفة الإشارة، منبهة على ما أغفله الكندي.» ويقول أبو الفرج معمما المديح: «جاءت كتب الفارابي المنطقية والطبيعية والإلهية والسياسية الغاية الكافية والنهاية الفاضلة.» ولكن بما أننا حائزون على كتب كثيرة مهمة للفارابي، فإننا نفضل أن نحكم في الأمر بأنفسنا.
وقائمة كتب هذا الفيلسوف التامة طويلة، وقام شناينشنايدر حول مؤلفاته بدراسة مضنية دقيقة تنم على فضل.
9
ويعد الفارابي كالكندي مفسرا وشارحا لمؤلفي اليونان أكثر من عده مترجما حقيقيا بمراحل.
وألف الفارابي كتاب المدخل إلى المنطق، وكتاب مختصر المنطق على طريقة المتكلمين،
10
وسلسلة من الشروح على إيساغوجي لفرفريوس، وعلى المقولات والعبارات والتحليلات الأولى والثانية، والجدل والمغالطة والخطابة وصناعة الشعر، وتتألف من الجميع منطقيات كاملة مقسومة إلى تسعة أقسام، وشرح الفارابي كتاب الأخلاق إلى نيقوماخس.
وألف في السياسة كتبا مهمة كما نتكلم عنه؛ فأحدها حاصل نواميس أفلاطون، وآخر منها عنوانه «نيل السعادات»، وتناول بالبحث مسائل كثيرة في ما بعد الطبيعة، وذلك في مؤلفات مختلفة يوجد بعضها في مكتباتنا، وهي العقل والمعقول، والنفس وقوة النفس، والواحد والوحدة والجوهر، والزمان والخلاء والحيز والمقدار، وشرح كتاب النفس للإسكندر الأفروديسي، وعني بالتوفيق بين أفلاطون وأرسطو كما نرى ذلك، وألف حول أغراض أفلاطون وأرسطو وحول اتفاقهما، ودافع عن أرسطو حيال مفسريه، ووضع كتابا في الرد على جالينوس والرد على يحيى فيلوبنوس، وذلك من حيث سوء تفسيرهما لأرسطو، ووضع كتابا في «التوسط بين جالينوس وأرسطوطاليس».
وليس أثر الفارابي العلمي عظيما جدا إذا ما قيس بأثره الفلسفي، ومع ذلك قام بشروح على طبيعيات أرسطو، وعلى الآثار العلوية، وعلى رسائل السماء والعالم، وبشرح على المجسطي لبطليموس، ووضع رسالة عن حركة الأجرام السماوية، كما وضع رسالة لإيضاح القضايا الغامضة في كتاب الأصول لأقليدس، وعني بعلوم السحر والتنجيم، فألف في السيمياء وضرب الرمل والجن والرؤيا. ولم يكن طبيبا، وترانا مدينين له في ميدان الفن برسائل مهمة في الموسيقى، قام كوزغارتن بدراستها،
11
صفحه نامشخص