تيقنت أن الأمر غيب وأنه . . . لدى الكشف والتحقيق حي ومرئي
قلت فعندما وقعت مني هذه الأبيات وألحقت بيته المكرم من جهة ما بجانب الأموات خطفني مني خطفة قاهر وقال لي قولة رادع زاجر انظر إلى سر البيت قبل الفوت تجده زاهيا بالمطيفين والطائفين بأحجاره ناظرا إليهم من خلف حجبه وأستاره فرأيته يزهو كما قال فأفصحت له في المقال وأنشدته في عالم المثال على الارتجال :
أرى البيت يزهو بالمطيفين حوله . . . وما الزهو إلا من حكيم له صنع
وهذا جماد لا يحس ولا يرى . . . وليس له عقل وليس له سمع
فقال شخيص هذه طاعة لنا . . . قد أثبتها طول الحياة لنا الشرع
فقلت له هذا بلاغك فاستمع . . . مقالة من أبدي له الحكمة الوضع
رأيت جمادا لا حياة بذاته . . . وليس له ضر وليس له نفع
ولكن لعين القلب فيه مناظر . . . إذا لم يكن بالعين ضعف ولا صدع
يراه عزيزا إن تجلى بذاته . . . فليس لمخلوق على حمله وسع
فكنت أبا حفص وكنت علينا . . . فمني العطاء الجزل والقبض والمنع ' وصل ' ثم إنه أطلعني على منزلة ذلك الفتى ونزاهته عن أين ومتى فلما عرفت منزلته وإنزاله وعانيت مكانته من الوجود وأحواله قبلت يمينه ومسحت من عرق الوحي جبينه وقلت له انظر من طالب مجالستك وراغب في مؤانستك فأشار إلى إيماء ولغزا أنه فطر على أن لا يكلم أحدا إلا رمزا وأن رمزي إذا علمته وتحققته وفهمته علمت أنه لا تدركه فصاحة الفصحاء ونطقه لا تبلغه بلاغة البلغاء فقلت له يا أيها البشير وهذا خير كثير فعرفني باصطلاحك وأوقفني على كيفية حركات مفتاحك فإني أريد مسامرتك وأحب مصاهرتك فإن عندك الكفؤ والنظير وهو النازل بذاتك والأمير ولولا ما كانت لك حقيقة ظاهره ما تطلعت إليه وجوه ناضرة ناظره فأشار فعلمت وجلى لي حقيقة جماله فهيمت فسقط في يدي وغلبني في الحين علي فعندما أفقت من الغشية وأرعدت فرائصي من الخشية علم أن العلم به قد حصل وألقى عصا سيره ونزل فتلا حاله علي ما جاءت به الأنباء وتنزلت به الملائكة الأمناء إنما يخشى الله من عباده العلماء فجعلها دليلا واتخذها إلى معرفة العلم الحاصل به سبيلا فقلت له اطلعني على بعض أسرارك حتى أكون من جملة أحبارك فقال انظر في تفاصيل نشأتي وفي ترتيب هيأتي تجد ما سألتني عنه في مرقوما فإني لا أكون مكلما ولا كليما فليس علمي بسواي وليست ذاتي مغايرة لا سمائي فأنا العلم والمعلوم والعليم وأنا الحكمة والمحكم والحكيم ثم قال لي طف على أثري وانظر إلي بنور قمري حتى تأخذ من نشأتي ما تسطره في كتابك وتمليه على كتابك وعرفني ما أشهدك الحق في طوافك من اللطائف مما لا يشهده كل طائف حتى أعرف همتك ومعناك فاذكرك على ما علمت منك هناك فقلت أنا أعرفك أيها الشاهد المشهود ببعض ما أشهدني من أسرار الوجود المترفلات في غلائل النور والمتحدات العين من وراء الستور التي أنشأها الحق حجابا مرفوعا وسماء موضوعا والفل بالنظر إلى الذات لطيف ولعدم دركه على شريف
فوصفه ألطف من ذاته . . . وفعله ألطف من وصفه
وأودع الكل بذاتي كما . . . أودع معنى الشيء في حرفه
صفحه ۹۰