فاعلم أن الطريق إلى الله تعالى الذي سلكت عليه الخاصة من المؤمنين الطالبين نجاتهم دون العامة الذين شغلوا | أنفسهم بغير ما خلقت له أنه على أربع شعب : بواعث ودواع و أخلاق و حقائق ، والذي دعاهم إلى هذه الدواعي والبواعث | والأخلاق والحقائق ثلاثة حقوق تفرضت عليهم : حق الله ، و حق لأنفسهم ، وحق للخلق ، فالحق الذي لله تعالى عليهم أن | يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . و الحق الذي للخلق عليهم كف الأذى كله عنهم ما لم يأمر به شرع من إقامة حد وصنائع | المعروف معهم على الاستطاعة والايثار ما لم ينه عنه شرع فإنه لا سبيل إلى موافقة الغرض إلا بلسان الشرع . و الحق الذي | لأنفسهم عليهم أن لا يسلكوا بها من الطرق إلا الطريق التي فيها سعادتها و نجاتها ، و إن أبت فلجهل قام بها أو سوء طبع ، | | فإن النفس الأبية إنما يحملها على إتيان الأخلاق الفاضلة دين أو مروءة ، فالجهل يضاد الدين فإن الدين علم من العلوم | وسوء الطبع يضاد المروءة .
ثم نرجع إلى الشعب الأربع فنقول الدواعي خمسة : الهاجس السببي و يسمى نفر الخاطر ، ثم الإرادة ، ثم العزم ، ثم | الهمة ، ثم النية . والبواعث لهذه الدواعي ثلاثة أشياء : رغبة أو رهبة أو تعظيم . والرغبة رغبتان : رغبة في المجاورة ورغبة | في المعاينة ، وإن شئت قلت : رغبة فيما عنده ورغبة فيه . والرهبة : رهبتان رهبة من العذاب ورهبة من الحجاب ، | والتعظيم إفراده عنك وجمعك به .
والأخلاق على ثلاثة أنواع : خلق متعد ، وخلق غير متعد ، وخلق مشترك . فالمتعدي على قسمين : متعد بمنفعة | كالجود والفتوة ، ومتعد بدفع مضرة كالعفو والصفح واحتمال الأذى مع القدرة على الجزاء والتمكن منه ، وغير المتعدي | كالورع والزهد والتوكل . وأما المشترك فكالصبر على الأذى من الخلق وبسط الوجه . وأما الحقائق فعلى أربع حقائق | ترجع إلى الذات المقدسة ، وحقائق ترجع إلى الصفات المنزهة وهي النسب ، وحقائق ترجع إلى الأفعال وهي كن | وأخواتها ، وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات ، وهذه الحقائق الكونية على ثلاث مراتب : علوية | وهي المعقولات ، وسفلية وهي المحسوسات ، وبرزخية وهي المخيلات . فأما الحقائق الذاتية فكل مشهد يقيمك الحق | فيه من غير تشبيه ولا تكييف لا تسعه العبارة ولا تومي إليه الإشارة . وأما الحقائق الصفاتية فكل مشهد يقيمك الحق فيه | تطلع منه على معرفة كونه سبحانه عالما قادرا مريدا حيا إلى غير ذلك من الأسماء والصفات المختلفة والمتقابلة | والمتماثلة . وأما الحقائق الكونية فكل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة الأرواح والبسائط والمركبات | والأجسام والاتصال والانفصال . وأما الحقائق الفعلية فكل مشهد يقيمك فيه تطلع منه على معرفة كن وتعلق القدرة | بالمقدور بضرب خاص لكون العبد لا فعل له ولا أثر لقدرته الحادثة الموصوف بها . وجميع ما ذكرناه يسمى الأحوال | والمقامات ، فالمقام منها كل صفة يجب الرسوخ فيها ولا يصح التنقل عنها كالتوبة ، والحال منها كل صفة تكون فيها في | وقت دون وقت كالسكر والمحو والغيبة والرضى ، أو يكون وجودها مشروطا بشرط فتنعدم لعدم شرطها كالصبر مع البلاء | والشكر مع النعماء وهذه الأمور على قسمين : قسم كماله في ظاهر الإنسان وباطنه كالورع والتوبة ، وقسم كماله في باطن | الإنسان ، ثم إن تبعه الظاهر فلا بأس كالزهد والتوكل ، وليس ثم في طريق الله تعالى مقام يكون في الظاهر دون الباطن . ثم | إن هذه المقامات منها ما يتصف به الإنسان في الدنيا والآخرة كالمشاهدة والجلال والجمال والأنس والهيبة والبسط . | ومنها ما يتصف به العبد إلى حين موته إلى القيامة إلى أول قدم يضعه في الجنة ويزول عنه كالخوف والقبض والحزن | والرجاء . ومنها ما يتصف به العبد إلى حين موته كالزهد والتوبة والورع والمجاهدة والرياضة والتخلي والتحلي على | طريقة القربة . ومنها ما يزول لزوال شرطه ويرجع لرجوع شرطه كالصبر والشكر والورع . فهذا وفقنا الله وإياك قد بينت لك | الطريق مرتب المنازل ظاهر المعاني والحقائق على غاية الإيجاز والبيان والاستيفاء العام ، فإن سلكت وصلت والله سبحانه | يرشدنا وإياك . |
فصل :
ومدار العلم الذي يختص به أهل الله تعالى على سبع مسائل من عرفها لم يعتص عليه شيء من علم | الحقائق ، وهي معرفة أسماء الله تعالى ، ومعرفة التجليات ، ومعرفة خطاب الحق عباده بلسان الشرع ، ومعرفة كمال | الوجود ونقصه ، ومعرفة الإنسان من جهة حقائقه ، ومعرفة الكشف الخيالي ، ومعرفة العلل والأدوية ، وذكرنا هذه المسائل | في باب المعرفة من هذا الكتاب فلتنظر هنالك إن شاء الله . |
تتمة :
صفحه ۷۲