وصل : ولا يحجبنك أيها الناظر في هذا الصنف من العلم الذي هو العلم النبوي الموروث منهم صلوات الله عليهم | إذا وقفت على مسألة من مسائلهم قد ذكرها فيلسوف أو متكلم أو صاحب نظر في أي علم كان ، فتقول في هذا القائل الذي | هو الصوفي المحقق إنه فيلسوف لكون الفيلسوف ذكر ذكر تلك المسألة وقال بها واعتقدها وأنه نقلها منهم أو أنه لا دين | له ، فإن الفيلسوف قد قال بها ولا دين له ، فلا تفعل يا أخي فهذا القول قول من لا تحصيل له ، إذ الفيلسوف ليس كل علمه | | باطلا ، فعسى تكون تلك المسألة فيما عنده من الحق ولا سيما إن وجدنا الرسول عليه السلام قد قال بها ، ولا سيما فيما | وضعوه من الحكم والتبري من الشهوات ومكايد النفوس وما تنطوي عليه من سوء الضمائر ، فإن كنا لا نعرف الحقائق | ينبغي لنا أن نثبت قول الفيلسوف في هذه المسألة المعينة وأنها حق ، فإن الرسول [ & ] قد قال بها أو الصاحب أو مالكا أو | الشافعي أو سفيان الثوري ، وأما قولك إن قلت سمعها من فيلسوف أو طالعها في كتبهم فإنك ربما تقع في الكذب | والجهل ، أما الكذب فقولك سمعها أو طالعها وأنت لم تشاهد ذلك منه ، وأما الجهل فكونك لا تفرق بين الحق في تلك | المسألة والباطل ، وأما قولك إن الفيلسوف لا دين له فلا يدل كونه لا دين له على أن كل ما عنده باطل وهذا مدرك بأول | العقل عند كل عاقل ، فقد خرجت باعتراضك على الصوفي في مثل هذه المسألة عن العلم والصدق والدين ، وانخرطت | في سلك أهل الجهل والكذب والبهتان ونقص العقل والدين وفساد النظر والانحراف ، أرأيت لو أتاك بها رؤيا رآها هل | كنت إلا عابرها وتطلب على معانيها ، فكذلك خذ ما أتاك به هذا الصوفي واهتد على نفسك قليلا وفرغ لما أتاك به محلك | حتى يبرز لك معناها أحسن من أن تقول يوم القيامة ^ ( قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ) ^ [ الأنبياء : 97 ] فكل | علم إذا بسطته العبارة حسن وفهم معناه أو قارب وعذب عند السامع الفهم فهو علم العقل النظري لأنه تحت إدراكه ، ومما | يستقل به لو نظر إلا علم الأسرار فإنه إذا أخذته العبارة سمج واعتاص على الإفهام دركه وخشن ، وربما مجته العقول | الضعيفة المتعصبة التي لم تتوفر لتصريف حقيقتها التي جعل الله فيها من النظر والبحث ، ولهذا صاحب العلم كثيرا ما | يوصله إلى الأفهام بضرب الأمثلة والمخاطبات الشعرية .
وأما علوم الأحوال فمتوسطة بين علم الأسرار وعلم العقول . وأكثر ما يؤمن بالعلم الأحوال أهل التجارب وهو إلى | علم الأسرار أقرب منه إلى العلم النظري العقلي ، لكن يقرب من صنف العلم العقلي الضروري بل هو هو ، لكن لما كانت | العقول لا تتوصل إليه إلا بأخبار من علمه أو شاهده من نبي أو ولي لذلك تميز عن الضروري لكن هو ضروري عند من | شاهده ، ثم لتعلم أنه إذا حسن عندك وقبلته وآمنت به فأبشر إنك على كشف منه ضرورة وأنت لا تدري لا سبيل إلا هذا ، | إذ لا يثلج الصدر إلا بما يقطع بصحته وليس للعقل هنا مدخل لأنه ليس من دركه إلا إن أتى بذلك معصوم حينئذ يثلج | صدر العاقل ، وأما غير المعصوم فلا يلتذ بكلامه إلا صاحب ذوق .
فإن قلت : فلخص لي هذه الطريقة التي تدعي أنها الطريقة الشريفة الموصلة السالك عليها إلى الله تعالى وما تنطوي | عليه من الحقائق و المقامات بأقرب عبارة وأوجز لفظ و أبلغه حتى أعمل عليه ونصل إلى ما ادعيت انك توصلت إليه ، | و بالله أقسم اني لا آخذه منك على وجه التجربة والاختبار وإنما آخذه منك على الصدق ، فإني قد حسنت الظن بك إحسان | قطع ، إذ قد نبهتني على حظ التجربة ما أتيت به من العقل ، و إن ذلك مما يقطع العقل بجوازه و إمكانه أو يقف عنده من غير حكم | معين ، فشكر الله لك ذلك ، وبلغك آمالك ، ونفعك ونفع بك .
صفحه ۷۱