والعلم الثالث : علوم الأسرار وهو العلم الذي فوق طور العقل وهو علم نفث روح القدس في الروع يختص به النبي | والولي وهو نوعان : نوع منه يدرك بالعقل كالعلم الأول من هذه الأقسام لكن هذا العالم به لم يحصل له عن نظر ولكن | مرتبة هذا العلم أعطت هذا . والنوع الآخر على ضربين : ضرب منه يلتحق بالعلم الثاني لكن حاله أشرف ، والضرب الآخر | من علوم الأخبار وهي التي يدخلها الصدق والكذب إلا أن يكون المخبر به قد ثبت صدقه عند المخبر وعصمته فيما يخبر | به ويقوله ، كإخبار الأنبياء صلوات الله عليهم عن الله كإخبارهم بالجنة وما فيها ، فقوله إن ثم جنة من علم الخبر ، وقوله | في القيامة : إن فيها حوضا أحلى من العسل من علم الأحوال وهو علم الذوق ، وقوله : كان الله ولا شيء معه ، ومثله من | علوم العقل المدركة بالنظر ، فهذا الصنف الثالث الذي هو علم الأسرار العالم به يعلم العلوم كلها ويستغرفها وليس | صاحب تلك العلوم كذلك ، فلا علم أشرف من هذا العلم المحيط الحاوي على جميع المعلومات ، وما بقي إلا أن يكون | المخبر به صادقا عند السامعين له معصوما هذا شرطه عند العامة . وأما العاقل اللبيب الناصح نفسه فلا يرمي به ولكن | يقول هذا جائز عندي أن يكون صدقا أو كذبا ، وكذلك ينبغي لكل عاقل إذا أتاه بهذه العلوم غير المعصوم وإن كان صادقا | في نفس الأمر فيما أخبر به ، ولكن كما لا يلزم هذا السامع له صدقه لا يلزمه تكذيبه ولكن يتوقف ، وإن صدقه لم يضره | لأنه أتى في خبره بما لا تحيله العقول بل بما تجوزه أو تقف عنده ، ولا يهد ركنا من أركان الشريعة ، ولا يبطل أصلا من | أصولها ، فإذا أتى بأمر جوزه العقل وسكت عنه الشارع ، فلا ينبغي لنا أن نرده أصلا ونحن مخيرون في قبوله ، فإن كانت | | حالة المخبر به تقتضي العدالة لم يضرنا قبوله كما نقبل شهادته ونحكم بها في الأموال والأرواح ، وإن كان غير عدل في | علمنا فننظر فإن كان الذي أخبر به حقا بوجه ما عندنا من الوجوه المصححة قبلناه ، وإلا تركناه في باب الجائزات ولم | نتكلم في قائله بشيء فإنها شهادة مكتوبة نسأل عنها قال تعالى : ^ ( ستكتب شهادتهم ويسئلون ) ^ [ الزخرف : 19 ] وأنا أولى | من نصح نفسه في ذلك ، ولو لم يأت هذا المخبر إلا بما جاء به المعصوم فهو حاك لنا ما عندنا من رواية عنه فلا فائدة | زادها عندنا بخبره ، وإنما يأتون رضي الله عنهم بأسرار وحكم من أسرار الشريعة مما هي خارجة عن قوة الفكر والكسب ، | ولا تنال أبدا إلا بالمشاهدة والإلهام وما شاكل هذه الطرق ، ومن هنا تكون الفائدة بقوله عليه السلام : ' إن يكن في أمتي | محدثون فمنهم عمر ' وقوله في أبي بكر في فضله بالسر غيره ، ولو لم يقع الإنكار لهذه العلوم في الوجود لم يفد قول أبي | هريرة : حفظت من رسول الله [ & ] وعاءين : فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم . حدثني به | الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبيد الله الحجري بسبتة في رمضان عام تسعة وثمانين وخمسمائة بداره ، وحدثني به أيضا أبو | الوليد أحمد بن محمد بن العربي بداره بإشبيلية سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة في آخرين كلهم قالوا حدثنا إلا أبا | الوليد بن العربي فإنه قال : سمعت أبا الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني قال : حدثني أبي أبو عبد الله وأبو عبد الله | محمد بن أحمد بن منظور القيسي سماعا مني عليهما عن أبي ذر سماعا منهما عليه عن أبي محمد هو عبد الله بن أحمد بن | حمويه السرخسي الحموي وأبي إسحاق المستملي وأبي الهيثم هو محمد بن مكي بن محمد الكشميهني قالوا : أنا أبو | عبد الله هو محمد بن يوسف بن مطر الفربري قال : أنا أبو عبد الله البخاري ، وحدثني به أيضا أبو محمد يونس بن | يحيى بن أبي الحسين بن أبي البركات الهاشمي العباسي بالحرم الشريف المكي تجاه الركن اليماني من الكعبة المعظمة | في شهر جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وخمسمائة ، عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي الهروي ، عن أبي | الحسن عبد الرحمن بن المظفر الداودي ، عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، عن أبي عبد الله الفربري | عن البخاري . وقال البخاري في صحيحه : حدثني إسماعيل قال : حدثني أخي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن | أبي هريرة وذكر الحديث ، وشرح البلعوم لأبي عبد الله البخاري من رواية أبي ذر خرجه في كتاب العلم ، وذكروا أن | البلعوم مجرى الطعام ، ولم يفد قول ابن عباس حين قال في قول الله عز وجل : ^ ( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن | يتنزل الأمر بينهن ) ^ [ الطلاق : 12 ] لو ذكرت تفسيره لرجمتموني ، وفي رواية لقلتم إني كافر ، حدثني بهذا الحديث أبو | عبد الله محمد بن عيشون عن أبي بكر القاضي محمد بن عبد الله بن العربي المعافري عن أبي حامد محمد بن محمد | الطوسي الغزالي ، ولم يكن لقول الرضي من حفدة علي بن أبي طالب رضي الله عنه معنى إذ قال : |
يا رب جوهر علم لو أبوح به
لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي
يرون أقبح ما يأتونه حسنا
فهؤلاء كلهم سادات أبرار فيما أحسب واشتهر عنهم قد عرفوا هذا العلم ورتبته ومنزلة أكثر العالم منه وأن الأكثر | منكرون له ، وينبغي للعاقل العارف أن لا يأخذ عليهم في إنكارهم فإنه في قصة موسى مع خضر مندوحة لهم وحجة | للطائفتين ، وإن كان إنكار موسى عن نسيان لشرطه ولتعديل الله إياه ، وبهذه القصة عينها نحتج على المنكرين لكنه لا | سبيل إلى خصامهم ولكن نقول كما قال العبد الصالح ^ ( قال هذا فراق بيني وبينك ) ^ [ الكهف : 78 ] .
صفحه ۷۰