( الباب الستون وخمسمائة ) : في وصية حكمية شرعية ينتفع بها المريد والواصل وهو آخر أبواب هذا الكتاب ، انتهى الجزء | الثاني من هذا الكتاب والحمد لله وحده والصلاة على محمد نبيه وعبده . | بسم الله الرحمن الرحيم |
مقدمة الكتاب
قلنا : وربما وقع عندي أن أجعل في هذا الكتاب أولا فصلا في العقائد المؤيدة بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة ، | ثم رأيت أن ذلك تشعيب على المتأهب الطالب للمزيد ، المتعرض لنفحات الجود بأسرار الوجود ، فإن المتأهب إذا لزم | الخلوة والذكر ، وفرغ المحل من الفكر ، وقعد فقيرا لا شيء له عند باب ربه ، حينئذ يمنحه الله تعالى ويعطيه من العلم به | والأسرار الإلهية والمعارف الربانية التي أثنى الله سبحانه بها على عبده خضر فقال : ^ ( عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا | وعلمناه من لدنا علما ) ^ [ الكهف : 65 ] وقال تعالى : ^ ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) ^ [ البقرة : 282 ] وقال : ^ ( إن تتقوا الله | يجعل لكم فرقانا ) ^ [ الأنفال : 29 ] وقال : ^ ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) ^ [ الحديد : 28 ] قيل للجنيد : بم نلت ما نلت ؟
فقال : بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة . وقال أبو يزيد : أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي | لا يموت ، فيحصل لصاحب الهمة في الخلوة مع الله ، وبه جلت هبته وعظمت منته ، من العلوم ما يغيب عندها كل متكلم | على البسيطة ، بل كل صاحب نظر وبرهان ليست له هذه الحالة فإنها وراء النظر العقلي إذ كانت العلوم على ثلاث مراتب .
علم العقل : وهو كل علم يحصل لك ضرورة أو عقيب نظر في دليل بشرط العثور على وجه ذلك الدليل وشبهه من | جنسه في عالم الفكر الذي يجمع ويختص بهذا الفن من العلوم ولهذا يقولون في النظر منه صحيح ومنه فاسد .
والعلم الثاني : علم الأحوال ولا سبيل إليها إلا بالذوق ، فلا يقدر عاقل على أن يحدها ولا يقيم على معرفتها دليلا ، | كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق وما شاكل هذا النوع من العلوم ، فهذه علوم من | المحال أن يعلمها أحد إلا بأن يتصف بها ويذوقها وشبهها من جنسها في أهل الذوق ، كمن يغلب على محل طعمه المرة | الصفراء فيجد العسل مرا وليس كذلك ، فإن الذي باشر محل الطعم إنما هو المرة الصفراء .
صفحه ۶۹