وبذلك ازدادت ثروة اللغة العربية، واتسع أمامها المجال لدراسة المواد الحديثة وتعريبها والتأليف فيها، وقد ألف بعضهم في ذلك كتبا تعين المترجمين والمؤلفين؛ مثل الشيخ: محمد عمر التونسي في كتابه "الشذور الذهبية في الألفاظ الطبية".
كان لابد لمصر في أول نهضتها من الاعتماد على هذا القبس الضئيل الذي يشع من الأزهر، ولقد رأينا إلى أي حد كان هذا الاعتماد، ولكن حين استطاع نظام محمد علي أن يقف على قدميه, ويؤتي ثمرته، ويتخرج في مدرسة الهندسة والطب وغيرها شباب جمعوا بين الثقافتين, حاول محمد علي أن يتخلص من تأثير الأزهر على نظامه، ورأينا في أخريات عهده محاولة لتأليف كتب في اللغة والدين على طريقة حديثة، وهذه الكتب وإن لم تبلغ مستوى الكتب الأزهرية في الجودة؛ بحيث يمكنها التغلب عليها, إلا أنها كانت نزعة إلى التحرر من الأزهر، ورأينا أيضا مدرسي الحساب من خريجي الهندسة، وبعض مدرسي اللغات العربية, يؤخذون من نوباغ المتخرجين في مدرسة الألسن.
وهكذا ابتدأت الهوة تزداد اتساعا بين تعليم الأزهر والتعليم الحديث، حتى أوشكت الصلة أن تزول فما بينهما, بل رأينا -على العكس- أن الأزهر يقتبس من النظم الجديدة في التعليم، ويحاول الشيخ العروسي شيخ الأزهر في عهد محمد علي, أن يدخل الطب في الأزهر بمعاونة كلوت بك، لولا أن عاجلته المنية.
كان التعليم الحديث في عهد محمد علي بالمجان في كافة المدارس؛ سواء كانت ابتدائية أو ثانوية أو عالية، وكانت الحكومة تنفق على التلاميذ، وتتولى أمورهم من مسكن, ومأكل، وملبس، وتجري على كثير منهم الأرزاق والمرتبات, بيد أن الأهالي لم يطمئنوا إلى إسلام أولادهم للمدارس والتعليم في بادئ الأمر، بل نفروا من ذلك نفورا شديدا، حتى لجأت الحكومة في بعض الأحيان إلى إدخال التلاميذ في المدارس قسرا.
صفحه ۶۳