ولم يكن في هذه الكتب ما يشوق التلميذ, أو يحبب القراءة إليه, أو يعاونه على تفتق ذهنه، واستكمال عدته للتعلم الثانوي؛ لأنها ألفت في عصور ضعف اللغة، وفيها أمثلة بعيدة كل البعد عن بيئة التلميذ وحياته، وطريقة تأليفها عقيمة؛ إذ لا تتدرج مع معلومات التلميذ، وإنما تفرض فيه العلم من أول سطر، وتعرض أمام مشكلات في الإعراب والعقائد يخالها طلاسم، ويتبرم بها، ويكاد ييأس، كل هذا في عصر كان الكتاب فيه هو كل شيء أمام التلميذ، وليس له إلا أن يستظهره، فحفظ كتب الدين واللغة، وأعدته الطريقة فاستظهر كتب الحساب والهندسة, وغيرها من الكتب المعروفة، استعدادا لاجتياز الامتحان.
ولم يكن المدرسون وحدهم هم الذين استعارتهم مدارس محمد علي من الأزهر، بل كان ثمة طائفة أخرى، اقتضتها طريقة التدريس على يد المترجمين التي ذكرناها آنفا1، هذه الطائفة هم المصححون الذين يصححون الأخطاء النحوية والأساليب في الكتب التي تنقل إلى اللغة العربية، ولم يكن هذا العمل سهلا هينا، فكثير من المترجمين، وبخاصة في السنين الأولى من إنشاء المدارس، كانوا من السوريين، أو غيرهم من المتمصرين كالأرمن والمغاربة، ولا ريب أن لغتهم كانت على شيء كثير من الضعف، فقلما وثق بكتابتهم وترجمتهم, ولا سيما في مواد لم يدروسها من قبل, هذا إلى أن العلوم الحديثة كانت تنقل لأول مرة من اللغات الأوربية إلى اللغة العربية، وقد هجر الأزهر من زمن بعيد دراسة هذه المواد، فاضطروا إلى مراجعة الكتب القديمة في الحساب والفلك والهندسة والطب، وغيرها من التي ترجمت, أو ألفت في العصر العباسي، وذلك لأن مهمتهم لم تكن قاصرة على تصحيح العبارة اللغوية، بل تعدتها إلى اختيار الكلمات الفنية المناسبة.
وقد أفادت اللغة العربية من عملهم هذا فائدة جليلة، وحين أعجزتهم الترجمة، ولم يهتدو إلى مقابل للكلمة الأجنبية في العربية عمدوا إلى تعريبها، وتركوها كما هي, مع تحريف يسير يناسب اللسان العربي، أو بدون تحريف.
صفحه ۶۲