ولكن ما لبثت الناس في مصر أن لمسوا فائدة التعليم، وكيف ينقل أولادهم من حال الضعف الجسمي والعقلي والخلقي، إلى مستوى رفيع من الحياة, فأقلعوا عن المعارضة، بل أقبلوا على التعليم بنفوس راضية.
وقد بلغ عدد التلاميذ في عهد محمد علي بجميع مدارس القطر المصري على اختلاف أنواعها, تسعة آلاف تلميذ، تتولى الحكومة النفقة عليهم في كل شيء، وتعطي لهم بعض الرواتب1.
كانت نهضة محمد علي علمية حربية -كما مر بنا؛ لأن البلاد في رأيه لم تكن في حاجة للآداب حاجتها للعلوم والنهوض بالجيش، ومسايرة الحضارة الأوربية العلمية في الطب والهندسة والرياضيات والفنون العسكرية، وكان محمد علي نفسه يؤثر اللغة التركية على اللغة العربية في التعليم أول الأمر، ولكنه اضطر إلى أن يجعل اللغة العربية لغة الدراسة، فكانت هذه الخطوة الأولى في إحياء اللغة، ثم أنشأ مطبعة بولاق سنة 1822 -كما ذكرنا، قد عكفت منذ عصره حتى اليوم على إحياء الكتب القديمة, وإن كان اهتمامها بكتب الآداب في عهد محمد على زهيدا؛ لأنها كانت في شغل بطبع مؤلفات رجال البعثات في الفنون التي تخصصوا بها، ولم تتجه إلى إحياء التراث العربي القديم إلا في عصر إسماعيل -كما سيأتي.
وأغلب الكتب التي ظهرت في عصر محمد علي كانت كتبا مترجمة في شتى العلوم والفنون، ولم تؤلف إلا كتب قليلة ليست ذات شأن، مثل كتب الرحلات التي دون فيها أعضاء البعثات مشاهداتهم بأوربا، ككتاب رفاعة بك "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" وما شاكله, أما الكتب العلمية البحتة فكان أغلبها ترجمة، وقد اننتشرت هذه الكتب كثيرا بتشجيع محمد علي لمترجميها ومكافأتهم مكافأة سخية، وبطبعها على نفقة الدولة في مطبعة بولاق.
صفحه ۶۴