ودخلناها دخول المغير لا دخول الضيف. وتسلمنا المدينة، ونازلنا قلعتها البكر الحصينة. وذلك يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر، والخميس يوم الخميس. وأسد الوغى قد اتخذت من وشيجها العريس.
هذا والملك العادل عنا غائب، ومعه أيضا بمصر كتائب، وتوفيق الله له مصاحب. وكنا عزمنا قبل قصد طبرية، أن نلاقي الفرنج على صفورية. في مركزهم ومجتمعهم، ونلابسهم في مخيمهم. فحين نزلنا من الثغر بالاقحوانة؛ وتمكنا من الله بالاستنجاد والاستعانة، ركبنا قبل قصد طبرية إلى الفرنج في مجمعهم، وأشرفنا عليهم في موضعهم. فما برحوا من مكانهم، ولا تحركوا برجالهم ولا فرسانهم.
وارتدنا في صحراء لوبية موضعا للمصاف واسعا، وفضاء لمازق الجمعين جامعا. وبتنا هناك بأطلاب الأبطال ميمنة وميسرة، ووجدنا بتأييد الله أسباب
الظهور ميسرة. وجئنا في خواصنا والجاندارية، ونزلنا في العدة المجردة على طبرية. وأخذ النقابون ساعة النزول في النقب، فصرع قائم سورها للجنب، ودخل الناس إليها ليلا للنهب. وكانت ليلة مدلهمة معتمة، وأرجاء المدينة مظلمة، فأشعلوا وأوقدوا، ودخلوا الدور وتفقدوا ما لم يفقدوا.
وكانت بها حواصل من زفت وكتان علقت بها النار، فاحترقت تلك المساكن والديار. وتحصن أهلها بقلعتها، وتمنعوا بمنعتها. فأصبحنا على حصرها، وسلكنا جدد الجد في أمرها.
فجاءت رسل الأمراء أن الفرنج قد تحركت، وانزعجت لكون عقيلتهم من طبرية تملكت، وأدركهم الندم كيف تركت وما أدركت. وأنها قد عبت جنودها، وشبت وقودها، ولبت نداء جموعها، وصبت عليها ماء دروعها. وغاضت في غدران سوابغها السابرية، وفاضت ببحار سوابحها الاعوجية.
وأن جمرهم قد استعر، وأن بحرهم قد زخر، وأنهم قد أتوا في عددهم وعديدهم، وحدهم وحديدهم، وخيلهم ورجلهم، وطلهم ووبلهم، وفارسهم وراجلهم، وأحزاب ضلالهم وأبطال باطلهم. وأنهم حين عرفوا استيلاءنا على طبرية؛ وسبقنا بفضيلة فتحها البرية، غاروا على العقيلة السبية؛ وأشعلت نخواتهم نار الحمية، وساقوا (أنفسهم) إلى معترك الردى وملتقى المنية.
ولما عرفنا قربهم؛ قصدنا حربهم. وزحفنا اليهم، وأشرفنا عليهم. واللجب الساري كالجبل الراسي، وقد أفاض الحديد من قبله على الحجر القاسي. ولمعت بوارق بيارقه، وراعت طوارق طوارقه. وبرقت قوانس قوامصه، وارتعدت فرائض فرائصه. وأمكنت فرائس فوارسه، وباح الحديد على عوابسه بوساوسه. وماجت بحار سلاهبه، واشتعلت نيران قواضبه. وشدت الاجادل دون صوار صوارمه وسدت بعرض أفواجه فجاج مخارمه، وقرنت الالفات بلاماته، وظهر من خشره
يوم الحشر بعلاماته.
1 / 107