ووصل إلينا ونحن بالقريتين العسكر المستدعى من الديار المصرية، فقويت به قلوب الأمة المحمدية. واجتمع بالمخيم الأفضلي، برأس الماء من وصل من العساكر الشامية والفراتية، والجزرية والموصلية والديار بكرية. فانتهز ولدنا هناك فرصة الإمكان، وأنهض إلى الكفر سرية سرية من أهل الإيمان. فساروا سارين، وأغاروا غارين واخذوا ونهبوا، وسبوا وسلبوا. فلم يشعروا إلا وجموع الكفر قد سدت عليهم الطريق، وأخذت دون خروجهم إلى السعة المضيق، فثبتوا ثبوت الجبال بالرياح العواطف، وشرعوا إلى عرانين الكفر أسنة الرماح القواصف.
وكان مقدم عسكرنا (مظفر الدين بن زين الدين) ومعه مملوكنا (قايماز النجمي صارم الدين). فلقيا بصدريهما صدور العوامل، وحملا في عسكرنا على الفارس والراجل. وحصل الفرنج منهم في دائرة الردى، وخذل الضلال ونصر الهدى. وكثر من الفرنج القتلى والأسرى، وعاد المسلمون بالمسرة العظمى والمبرة الكبرى، واتصلت بنا ونحن في بلاد الكرك البشرى، وشكرنا الله على نصرته الأولى وقلنا هذه مقدمة الأخرى.
ولما قضينا الوطر من تلك البلاد، ووفينا بإحراق افوات أهل النار بالنار حق الجهاد، اجتمعنا بأصحابنا القادمين من مصر، وتناصرت لدينا دلائل الظهور وتظاهرت إمارات النصر، وعدنا إلى الشام؛ وقد تكاملت به جموع الإسلام؛ وزخر بحر الفضاء بأمواج الأعلام وطفا على اثباج لجة حباب الخيام؛ وقد فض الفضاء ختام القتام. وعلق بالفلق من ذلك الفيلق غرام الرغام. فخيمنا بعشترا شهرا؛ وقد أعدنا بشهر بنات الغمود سرها جهرا؛ وخطبنا من الله الكريم فتح بكر جعلنا بذل المهج لها مهرا.
وقد سمع الفرنج بجمعنا فجمعوا؛ ونادوا في بلادهم فأسمعوا. واجتمعوا على صفورية من صفر، وحشروا في تلك الأشهر من جمعهم في المحشر جموع سقر. واخرجوا صليب الصلبوت، وقائد أهل الجبروت. فتهافت إلى شعلة ناره فراشهم، وتوافى إلى ظلة ضلاله خشاشهم. وقاموا وقيامة رعبهم قائمة، وسوابح جردهم في بحر العجاج عائمة. وطلائعهم سارية وسراياهم طالعة، ومقدمات رعبهم منا السائرة لجنوبهم وقلوبهم مقضة خالعة.
فلما تكامل منا الجمع؛ وأخذ بعجاجه وعجيجه على الآفاق البصر والسمع؛ عرضنا عساكرنا في يوم يذكر بيوم العرض، ويتلو مشاهده لنزل الملائكة (والله جنود السماوات والأرض)، في رايات خافقة كقلوب الأعداء، عالية كهمم الأولياء، وسرنا في جموع ضاق بها واسع الفضاء، وسار في كتائبها نازل القضاء، وسحب ذيل الأرض بمثار نقعها على السماء. وقطعنا الاردن وتأييد الله مواصل، وقدره بأقدارنا على الأعداء كافل. فما ألمنا بطبرية حتى فتحناها بالسيف،
1 / 106