فاغتنمنا الفرصة في اللقاء، وهجنا إلى الهجاء. وأسرعت الأعنة، وأشرعت الأسنة. ونقع اوام الجو، وأجاب الصدى دوى الدو. وجال الجاليش، وطار السهم المريش. وعصفت رياح السوابق، واستعبرت عيون البوارق. ولقيناهم في عرموم عارم، ومحر جار وعوامل جوازم، وصواهل صلادم. وضراغن ضوار، وجوارح جوار. وأسود قد اعتقلت اساود، وجياد قد حملت أجاود. وسوابح قد أقلت بحورا، وصقور قد ركبت صقورا.
وأوقفناهم نهار يوم الجمعة وساكنهم لا يتحرك، وبازلهم لا يبرك. وصفهم لا ينفض، وجدارهم لا ينقض. وبنيانهم مرصوص، وطائرهم عن الطيران محصوص. حتى دخل الليل، وقر في الوادي ذلك السيل. وبات الفريقان على تعبيتهما، وإجابة داعي الموت بتلبيتهما.
وأصبحنا يوم السبت وأهل الأحد على حالهم، لم يريموا موضع قتالهم. وما زالت الحملات تتناوب، والاسلات تتواثب وتتثاوب. والسواعد بقرع الظبا سواع، والرواعف في زرع الطلى رواع. والمنايا تئن، والحنايا تحن. والبيض تصافح البيض صفاحها، والذكور لتاج الحرب العوان بالفتح البكر عند اللقاء لقاحها. والذوابل في اشاجع الشجعان ذواب، والصوارم بجوامح النيران شواب. وضمائر الغمود قد باحت بأسرارها، ونواظر الجفون قد تخلت عن غرارها.
ولما أحسوا بأسنا؛ وإمرار أمراسنا؛ والهجير يتلظى وقد وقع عليهم بناره، والاوام يتوقد ولا يتوقى اجراقهم بأواره، مالوا إلى طلب الماء، وأخذوا طريق البحيرة للاوتواء. فأخنا قدامهم ووقفنا أمامهم. وحلأناهم عن الورد، وألدأناهم إلى الردى بالرد. فاعتصموا بتل حطين وصرنا بهم محيطين. وتحكمت فيهم قواضي القواضب، ونشبت من النشاب بهم نيوب النوائب. وكان جمعهم جمرا وقد وقد، فصب عليهم السيف نهرا فخمد. وفضوا بالفضاء، وفرشوا بالعراء، وعب دأماء
الدماء، وغصت الفجاج بالقتلى والأسراء.
وأسر الملك وأخوه، والابرنس الكركي ومؤازروه، ووجوه الكفر ومقدموه. ومقدم الداوية وأعوانه، وصاحب جبيل وأعيانه. وهنفري ابن هنفري وابن صاحب اسمندرونه وصاحب مرقية.
ولم يفلت إلا ابن بارزان والقومص، وتم لهما من الورطة المخلص. وكان كلاهما ملهما عند اللقاء بالقتال، وعند الفرار بالاحتيال. فأما القومص فإنه لما مر بطرابلس أدركه الموت في برجه المشيد، ونقله القدر المبيد إلى عذابه المؤبد. وذل ذلك اليوم أهل الجبروت، وحيز صليب الصلبوت، وبار وباد أولياء الطاغوت، وهلك عبدة الناسوت واللاهوت، وملك عليهم القدر كتاب الأجل الموقوت.
وقدمنا الابرنس وضربنا وفاء بالنذر، وعجلنا به إلى النار مأوى أهل الغدر، وألحقنا به الداوية والاسبتارية، وأدرنا عليهم صبرا كؤوس المنية. وروينا ظماء الظبي من نجيعهم وقرينا سيد الفلا من صريعهم.
1 / 108