ذكر ما تم على الأسطول
وكان السلطان قد نفذ من صور، وأحضر إليها من عكاء ما كان بها من مراكب الأسطول المنصور. فوصلت منها عشر شوان، على العدا جوان، وللردى لهم جوان. فعمرها بالرجال، وجهزها للقتال. واتصلت بها مراكب لنا من بيروت وجبيل، فاستشعر المركيس وأشياعه منها الويل. وعمروا لهم مراكب، ورفعوا بها مناكب.
وسفننا بالساحل عندنا مربوطة، وبحفظنا مضبوطة محوطة. ودامت تدب عقاربها، وتذب سواريها، وتجري سواربها، وتسري جواريها، وتطير للقنص بزاتها، وتغير للفرس غزاتها. وتكسر بكواسرها وتدور بدوائرها. وتلاطم الأمواج بأمواجها، وتزاحم الاثباج بأثباجها. وترفع شرع الهداة بشراعها، وتقلع عرش الغواة بأقلاعها. وتنقض على شياطين الكفر شهبها، وترفض بشآبيب الذعر سحبها.
فكأنها الاساود السود، ركبتها الأسود. من كل افعوان يحمله أفعوان، وشجاع امتطته شجعان، وغراب بشتات العدا ناعق، وسحاب بوميض الهدى بارق. فيا لها من اغربة دارت بعقبان، وادنحة طارت بظلمان. ورواس سوار، وغواز بغوار. وقد ملئت برماه الحدق، وحماة الحلق. وزراقي النار، وطراقي الثار. والخاطفين بالخطاطيف، القاذفين بالمقاذيف. والكالمين بالكلاليب، والسالبين بالاساليب، والحاربين بالمحاريب. والراجمين بالرجام، والمعلمين على الأعلام.
فانشقت مرائر الفرنج، وأزاحت سفنها عن النهج. وقرنصت بزاة البيزانية،
وتقلصت جناة الجنوية. وكرثت أدواء الداوية، وكثرت اسواء الاسبتارية، وزادت آلام الألمانية، وعادت أسقام الافرنسيسية. وصارت مراكبهم في المينا لا تبين، وشدتهم بشد شوانينا تكاد تلين. وقد ربطوا عندهم السفن، فلو خرجت كانت جبالا نسفن.
وأنس أصحابنا بعلو الأمر، وخلو البحر. وأمنوا من الخوف، وأدمنوا على الطوف. ودام تطوافهم، واستقام ايجافهم. واغتروا بالسلامة، وسروا بالاستقامة. وباتت لنا شوان خمس، لها بزوال الوحشة أنس. وربطت بقرب ميناء صور راصدة، ولأخذ ما يخرج من شوانيها قاصدة. والدياجي مدلهمة، والدواهي ملتمة. وعيون الزهر راقدة، وعيون الكفر ساهدة. وللمكايد مصايب، وللعوادي عوائد، وللغوائل طوائل، وللمسائل دلائل وللمقادير مقاد، ولأولئك المراد مراد.
فحفظ أصحابنا إلى السحر الحرس، وسهروا إلى أن شارفوا الغلس، وكل منهم لما استأنس نعس، وغاص في النوم وما تنفس. فما انتهبوا إلا وسفن الفرنج بهم محدقة، ونيرانهم محرقة. فولجوا في البحر والتجوا، وتطافروا إلى الماء لينجوا. وعدت العداة، وأخذت تلك الشواني الشناة. واسروا منها عدة، ولقي الباقون شدة.
فاغتم السلطان
1 / 89