بسبب هذه النكبة، وفرح الكفار بتلك الضربة. وكانت تلك أولى حادثه كرثت وكارثة حدثت. ونائبة رابت، ورائبة نابت. فضاقت القلوب، وضاقت الكروب. وحصلت تجربة الغارين، واتصلت حركة الفارين. واستيقظ الناعس، واستوحش الآنس. وهب الراقد، ودب الراكد. وذاب الجامد، وشب الخامد. وهاج الزائر، وماج الزاخر.
وتحرك الساكن، وتورك الراكن. وعقل من غفل، وذهن من ذهل. وتيقظ من غفا، وتحفظ من هفا. وتقبض من انبسط، وتقيد من نشط، ووهم من عف، وألم من كف.
ورجفت الآفاق بالمرجفين، وطالت ألسنة المعنفين. فمنهم من يؤنب ويذنب، ومنهم من يقول ويطنب، والعاقل يتجنب، ويقيم العذر لمن يذنب ويقول هذه من الله موعظة، وآية لنا موقظة.
وأشار الناس بإنفاذ الشواني البواقي، وقطعوا بأن هذه القطع لا تكفى لملاقاة من يلاقى. فجهزوها نهارا، وصيروا سرها جهارا. وأمروا بتسييرها إلى بيروت، ورجوا أن تسبق وتفوت. وركب العسكر في الساحل يباريها، وهي بالقرب تجارية في البحر وهو في البر يجاريها. فأبصر ملاحوها شواني الفرنج لمبارزتها مبرزة، وللإجهاز وراءها مجهزة.
وكانوا رجالا من بحرية مصر مجمعة، وأصبحت قلوبهم بما جرى على أنظارهم مروعة. فتواقعوا إلى الماء. وخافوا على دمائهم في الدأماء. وخرجوا إلى البر على وجوههم، وخافوا مكرهم في مكروههم. وفروا وفاروا، وطاروا وثاروا. ولم يلفت أحد منهم ليتا ولم يزدهم دعاؤهم إلى التجمع إلا تشتيتا.
فظهر بهذه النوبة الواقعة، والنبوة الرائعة، أن نواب مصر لم يجر منهم بالأسطول احتفال، ولم يرتب فيه على ما يراد رجال. وإنما حشدوا إليها مجمعة مجهولة غير عارفة ولا معروفة، ومستضعفة غير آلفة ولا مألوفة. فلا حرم لما شاهدوا الروع ارتاعوا، ولما أنزموا بالطاعة ما استطاعوا.
وكان في حملة شوانينا قطعة يتولاها رئيس (جبيل) كأنها جبيل، وفيها بحرية من ذوي التجربة والتجري والتجربة ما لها جبل ولا ميل. فطال بأسلحة الدفاع، وطار بأجنحة الشراع. وفاز بالسبق وفات، وهيهات أن يدرك هيهات. فنجا النجباء، وآب بهم الآباء. فبقيت المراكب الباقية وقد أخلاها حماتها الواقية. فرفعناها إلى البر، ورأينا الصحة منها في الكسر. وفرغنا من شغل المراكب في البحر.
هذا والمنجنيقات ترميهم، والمفوقات الموفقات تعميهم وتصميهم. والقتال قائم،
والنزال دائم. والصخور تفلق، والصدور تقلق. والأحجار تقلقل، والأسوار تحلحل. والأطواد تضعضع، والأبراج القيام تسجد وتركع. والأصلاد تقدح، والاجلاد تقرح. والألواح تصدع، والأرواح تودع. والخدود لشفاه الشفار ملثومة، والحدود بضراب الاضراب
1 / 90