المضيئة بآلائه وآرائه على مضارب المضاء، وباحت استباحة حمى المشركين للموحدين بسر السراء.
فمكث أياما حتى تواصل المدد، وتكامل العدد. واستحضر آلات الحصار، واستكثر من المجانيق الصغار والكبار. ثم تقدم إليها وخيم عليها الثاني والعشرين من الشهر يوم الخميس، (وفي خميس يسير في الوشيج كالأسد في الخيس).
ونزلت النوازل المركسة من نزوله ونزاله بالمركيس، فوقع في الدردبيس، والعذاب البئيس. فكأنما نفخ في صور (صور). فحشر أهل جهنم وملئوا السور. واتصلت زيارة الزيارات للجروح بالجروح وتوافت مناجاة المجانيق بالخدوش
والشدوخ، وأرسلت الحجارات حاجرة حاجزة، وألسنة أهل الرجس والرجز بالفحشاء راجزة.
وكانت صور على السوء مستوية، وعلى كل من خرج من القدس وبلاد الساحل محتوية. فضجوا وارتجوا، وعاجوا وعجوا، ولجئوا ولجوا. ونصبوا على كل نيق منجنيقا، وشدوا من كل جانب ركنا وثيقا. وشدوا في الجبال ومدوا في الحبال. ورموا من الشرافات بالشرور والآفات، وسلب الحجار حجاها وأمت الأمة وجاءها وجاها. فكم من رؤوس أطارت! ونفوس ابارت! وبرخسفت، وبدركسفت، وبحر نزفت، وطود نسفت.
فحول السلطان إلى قربها له خيمة صغيرة، وأنهض بنات الحنايا بالمنايا عليها مغيرة. وصف الجفاتي، فصدف أتيها الآتي. وعارض بحرها بعرض بحره، ورد كيد الكفر من المنجنيق بما نصبه من المنجنيق في نحره. فأحبط أعمالهم بأعماله، وأهبط رجالهم برجاله. وقابل الأبراج بالأبراج، وحاول بالردى علاج الاعلاج. ووالاها حجارات وصخورا، حتى جعلت سور صور سورا. وجد في أمرها، وأجاد في حصرها.
ووصل إليه في تلك الأيام من قوى به ظهر الإسلام؛ ولده (الملك الظاهر غياث الدين غازي)، وهو الذي جل في سماحته وحماسته عن الموازن والموازي. فقدم مبارك القدم، متدارك النعم، عالي الهمم، غالي القيم. ومعه عسكر مجر لحب، جلبه من حلب، قد استصحب البيض والسمر والبيض واليلب. فظهر من الملك الظاهر ما ملك به قبول القلوب، وأغرى سيفه بسفك دم الكفر المطلول المطلوب. ورأى نصب خيمته وراء خيمة أبيه المنصوبة، وجد في استرجاع مدينة الإسلام المغضوبة. وقدم بين يديه كل حجار راجح، وكل نقاب ناجح، لصم الصفاح مصافح. وكل جاندار جان در الردى للكفار، وكل زراق رزق الجسارة على أهل
النار بالنار. وكل من جنانه تقتبس ذباله البسالة، وكل جرخى رخى البال بالهدى إصماء أهل الضلالة.
وكل رام رام النجم في الأفق فراماه، وكل همام هم بالخطب النازل فتحاماه. وكل مقدام قرنه دام، وكل ضرغام صريعه في غرام. وكل قمقام ضارب بصمصام، وكل حام شارب بكأس حمام. وكل ذمر مشيح، لذمار الكفر
1 / 86