فانو السير واحو الخير. وأحصر الخير، واحظر التأخير. وفي تعجيل النهضة تحصيلها في القبضة، وفي بدار الإلمام بدارها بشرى أهله الفتوح المقمرة بابدارها. فأسر بالعسكر وأسرع، وأقطع عن الكفر تلك الأعمال وأقطع؛
واكثر من كان يستحثه؛ وعلى النهوض يبعثه؛ الأمير (علي بن أحمد المعروف بالمشطوب). وكان من أكابر الأمراء الكافين للخطوب، الكافين في الحروب. وكانت معه صيداء وبيروت وهما بقرب صور وقد أشفق أن فتحها يفوت. فرأى الحظ في الحض، وحرض على الفرض، ولم يفكر في قوتها بانتقال رجال الساحل اليها، وأنه يشق في هذا الوقت التزول عليها. وكان المركيس عند اشتغالها بالقدس بإحكام صور مشتغلا، وعلى الاستهتار بتحصينها مشتعلا. وقد استجد قدامها من البحر إلى البحر خندقا، وجعل الطريق إليها مضيقا. وأحكم أسباب الأحكام، وأخذ بالحزم في الاهتمام.
ذكر رحيل السلطان عن القدس على قصد حصار صور
ورحل السلطان عن القدس يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان، وقد عنا لأمره كل قاص ودان. وودعه ولده عزيز مصر في أول منزلة، وسايره لكراهية فراقه مقدار مرحلة. ثم وصاه وشيعه، واستصحب أخاه الملك العادل معه. مستظهرا بإخائه، مستبشرا بآلائه، مستبصرا بآرائه، مستنصرا بمضائه، مستغنيا
بغنائه، موفيا بوفائه. وهو بعقده يعقد وبحله يحل، وبشده يشد وبحلوله يحل. والعساكر بالفضاء فائضة، وللخطوب الربضة رائضة، وإلى استنهاض النضر لأنصارها ناهضة، ومن هواها أنها في دأماء الدماء من أهل الكفر خائضة. فوصل إلى عكاء في أول شهر رمضان فخيم بظاهرها ظاهرا بخيمه. باهرا بتأخيره وتقديمه. قاهرا بشباه المبير، زاهرا بسناه المنير. جاهزا بسره، ظاهرا في بحره.
وأقام أياما يتفكر ويتدبر. ويستشير ويستخبر. والمشطوب يستعجله ولا يمهله. ويحرص بالعبث، ويحذر من المكث، ويقول الفرصة تدرك بالحث، وتفوت باللبث. . فسار لندائه ملبيا، ولجيش النصر معبيا ولرأيه مقلدا، وبالله ﷿ متأيدا. فوصل إلى صور تاسع شهر رمضان يوم الجمعة بالجحافل المحتفلة، والجموع المجتمعة. فنزل بعيدا من سورها، سعيدا في ترتيب أمورها. مضرولة قبابه، مجنوبة عرابه. نحجوبة بالبنود والجنود أرضه وسماؤه، منشورة غاياته. منصورة آراؤه. خافقة على الأعداء عذبات عذابه، دافقة في ثرى النجح في الأنحاء ثرات صوب صوابه. قد كست خيامه عرى العراء، وفضت أشعة بيضه وسمره الفضة بالفضاء، واحتوت مضاربه
1 / 85