وشمل جماعة المسلمين من إقامة الجمعة والجماعة ما جمع للإسلام فيه شكلا. ورفعت الأعلام العباسية على منبره فأخذت من بره أوفى نصيب، وتلت بألسنة عذبها (نصر من الله وفتح قريب). وغسلت الصخرة المباركة بدموع المتقين من دنس المشركين. وبعد أهل الأحد من قربها بقرب الموحدين. فذكر بها ما كاد ينسى من عهد المعراج النبوي، وقامت بدلالتها براهين الأعجاز المحمدي. وصافحت الأيدي منها موضع القدم، وتحدد لها من البهجة والرسالة ما كان لها في القدم.
فهو ثاني المسجدين، بل ثالث الحرمين. فليهن البيت الحرام خلاص أخيه البيت المقدس من الأسر، وإسفار صبح الإسلام بعد طول اعتكار ليل الكفر. وتطهير مواقف الأنبياء صلوات الله عليهم من ادناس الأرجاس، وتضوع ارج الرجاء في أرجائه بعد اليأس.
فالحمد لله الذي أبدل الايحاش بالايناس، ونزع عنه بإفاضة خلع الرحمة عليه لباس البأس. وجعل عصر مولانا أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - على الاعصر مفضلا، وكمل بهذا الفتح الشريف شرف زمانه، فأصبح فخر الدين والدنيا به مكملا. ويسر ببركات أيامه فتح البلاد الساحلية بأسرها، وعجل هلاك هذه الطائفة الطاغية من الفرنج بقتلها وأسرها. ولقد حل الكفر عروة عروة، وهد ذروة ذروة. وعادت حباله رثاثا، وعقوده انكاثا، ومساكنه أجداثا، وصار حديثا بعد أن شوهد
أهل الذمة أحداثا.
فالرتاج مستفتح، والرجاء مستنجح. والبلاد مستخلصة، والقيم الغوالي منها بسوم العوالي مسترخصة. والعقائل مقتضة، والمعاقل منفضة، ومناهل المنى بمياه النجاح مرفضة، ونجوم الرجوم على شياطين الكفر بسيوف أهل الإيمان منقضة. والثغور مبتسمة، والأمور منتظمة، والحصون متسلمة، وارض الكفر ينقصها الإسلام كل يوم من أطرافها، بل يستولي على أوساطها وأكنافها، ويعيد إلى الطاعة كرها مذهب خلافها. ولقد أينع زلاعها وثمرها من رؤوس المشركين، وهذا أوان حصادها وقطافها. والنعمة بحمد الله عظيمة، والموهبة وإن خصت هذا الإقليم فهي في جميع أقاليم المسلمين عميمة.
ولو شرح ما لهذا الفتح من جلالة العظمة؛ ودلالة المكرمة؛ لكبا قلم البليغ في مضمار البيان ولم يبلغ مدى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)، والقاضي ضياء الدين القاسم الشهروزوري، قد توجه لهذه النعمة واصفا، وعند ما يؤمر به من إنهاء البشرى بها واقفا، وأولى من وصف العرف من كان بأوصاه عارفا. وأحق من شرح الحق والحقيقة من تفي بشرح الصدور مصادر شرحه، وبفتح على الإسلام أبواب الهناء بإنهاء ما تسنى من فتحه. ويحدث وهو الضياء بإسفار صبحه.
1 / 83