وفاوض السلطان جلساؤه من العلماء الأبرار والأتقياء الأخيار؛ في مدرسة للفقهاء الشافعية، ورباط للصلحاء الصوفية. فعين للمدرسة الكنيسة المعروفة بصند حنة - عند باب أسباط. وعين دار البطرك وهي بقرب كنيسة قمامة - للرباط. ووقف عليهما وقوفا، وأسدى بذلك إلى الطائفتين معروفا. وارتاد أيضا مدارس للطوائف،
ليضيفها إلى ما أولاه من العوارف.
وأمر بإغلاق أبواب كنيسة قمامة، وحرم على النصارى زيارتها ولا الإلمامة. وتفاوض الناس عنده فيها، فمنهم من أشار بهدم مبانيها. وتعفية آثارها، وتعمية نهج مزارها. وإزالة تماثيلها، وإزاحة أباطيلها، وإطفاء قناديلها، وإعفاء أناجيلها، وإذهاب تساويلها، وإكذاب أقاويلها.
وقالوا إذا هدمت مبانيها؛ وألحقت بأسفلها أعاليها؛ ونبشت المقبرة وعفيت؛ واخمدت نيرانها وأطفيت؛ ومحيت رسومها ونفيت؛ وحرثت ارضها؛ ودمر طولها وعرضها؛ انقطعت عنها إمداد الزوار، وانحسمت عن قصدها مواد أطماع أهل النار. ومهما استمرت العمارة؛ استمرت الزيارة.
وقال أكثر الناس لا فائدة في هدمها ولا هدها، ولا يؤذن بصد أبواب الزيارة عن الكفرة وسدها. فإن متعبدهم موضع الصليب والقبر لا ما يشاهد من البناء، ولا ينقطع عنها قصد أجناس النصرانية ولو نسفت أرضها في السماء؛ ولما فتح أمير المؤمنين عمر ﵁ القدس في صدر الإسلام أقرهم على هذا المكان، ولم يأمرهم بهدم البنيان.
ومما كتبته إلى الديوان العزيز مجده الله للبشرى بفتح القدس مع الرسول ضياء الدين الشهرزوري من رسالة:
وقد سبقت البشائر بما من الله به من الفتح العظيم، والنصر العميم، والعهرف الجسيم، والفضل الوسيم، واليوم الأغر الأعز الكريم. والشرف الذي ذخره الله لهذا العصر ليفضله على الاعصار، وأراد تأخير فخاره إلى هذه الأيام ليكون بها تاريخ الفخار. فقد أعجز الملوك عن اقتضاء نصرته، وافتضاض عذرته، وخص من أجراه على يده بسمو قدره ونمو قدرته. وأعاد به القدس إلى قدسه، وأظهره وطهره من رجز الكفر ورجسه. وقد رجع الإسلام الغريب منه إلى داره، وخرج
قمر الهدى به من سراره، وذهبت ظلم الضلالة بأنواره. وعادت الأرض المقدسة إلى ما كانت موصوفة به من التقديس، وأمنت المخلوف فيها وبها فصارت صباح السرى ومناخ التعريس. وقد أقصى عن المسجد الأقصى الأقصون من الله الابعدون، وتوافد إليه المصطفون الاقربون، والملائكة المقربون. وخرس الناقوس بزجل المسبحين، وخرج المفسدون بدخول المصلحين.
وقال المحراب لأهله مرحبا وأهلا،
1 / 82