وراقت نضارتها، ووقفت عليها الاستحسان نظارتها. ثم فرق ذلك المال فيها على ذوي الاستحقاق، وافتخر بأن فاق الكرام بالإنفاق.
وجاء (الملك الأفضل نور الدين علي)؛ بكل نور جلى، وكرم ملي، وإحسان سني، وأنعام هني، وعرف زكي، وعرف ذكي. وعطاء مبتدع، وسخاء مخترع. وجود مبتكر، ورفد معتبر. واتى بكل ما خلد الأثر الحسن، وانطق بحمده الألسن. وبسط بها الصنيعة، وفرش فيها البسط الرفيعة. وهدى وأهدى، وأعاد بعد ما أبدى، وأنار وأسدى. وأفاض الندى، وفض الجدا. ونفض الأكياس، حتى خلنا به الانفاض والإفلاس.
وسيأتي ذكر ما اعتمده من بناء أسوار القدس وحفر خنادقه، وأعجز بما اعجب من سوابق معروفة ولواحقه؛ ما لم يشق أحد فيه غباره، ولا ملك سابق في مضماره.
وأما (الملك العزيز عثمان)؛ فإنه أتى بالإحسان الذي استظهر به الإيمان. وذلك؛ أنه لما عاد إلى مصر وقد شاهد الفتح والنصر؛ ترك خزانة سلاحه بالقدس كلها، ولم ير بعد حصولها به نقلها. وكانت أحمالا بأموال، وأثقالا كجبال. وذخائر وافية، وعددا واقية. ودروعا سوابغ، ونصولا دوامغ. وخوذا وترائك، ورماحات
ونيازك. وقنا وقنابل، وصواقل وذوابل. وجروخا وقسيا، ويمانيا وهنديا ويزنيا، وردينيا ومشرفيا. وجفاتي وجنويات، وطوارق وقنطاريات. ورانات حديد وزانات. وآلات وزيارات وزراقات، ونفاظات وقطاعات. وعدد النقوب، وجمع أدوات الحروب. فاستظهرت بها المدينة، وتوثقت بها عراها المتينة.
وكان من جملة ما شرط على الفرنج أن يتركوا لنا خيلهم وعدتهم، ويخرجوا قبل أن يستوفي الباقون في أداء القطيعة مدتهم. فتوفرت بذلك عدد البلد، واستغنى بذلك عما يصل من المدد.
ذكر محراب داود ﵇ وغيره من المشاهد الكرام وتبطيل الكنائس وإنشاء المدارس
وأما محراب داود ﵇ خارج المسجد الأقصى؛ فإنه في حصن عند باب المدينة منيع، وموضع عال رفيع. وهو الحصن الذي يقيم به الوالي، فاعتنى السلطان بأحواله الحوالي. ورتب له إماما، ومؤذنين وقواما. وهو مثابة الصالحين. ومزار الغادين والرائحين. فأحياه وجدده، ونهج لقاصديه جدده. وأمر بعمارة جميع المساجد، وصون المشاهد، وإنجاح المقاصد؛ وإصفاء الموارد، للقاصد والوارد. وكان. موضع هذه القلعة دار داود وسليمان ﵉، وكان ينتابهما فيها الأنام.
وكان الملك العادل نازلا في كنيسة صهيون، وأجناده على بابها مخيمون.
1 / 81