عامة؛ قومة لشمل مصالحها ضامة. فما ترتب إلا العارفون العاكفون، والقائمون بالعبادة الواقفون.
فما أبهج ليلها وقد حضرت الجموع! وزهرت الشموع! وبان الخشوع! ودان
الخضوع! ودرت من المتقين الدموع! واستعرت من العارفين الضلوع!
فهناك كل ولي يعبد ربه ويأمل بره، وكل (أشعث أغبر لا يوبه له لو أقسم على الله لأبره) وهناك كل من يحيي الليل ويقومه، ويسمو بالحق ويسومه. وهناك كل من يختم القرآن ويرتله، ويطرد الشيطان ويبطله. ومن عرفته بمعرفته الأسحار، ومن الفته لتهجده الأوراد والأذكار.
وما أسعد نهارها حين تستقبل الملائكة زوارها، وتلحف الشمس أنوارها، وتحمل القلوب إليها أسراها، وتضع الجناة عندها أوزارها، وتستهدي صبيحة كل يوم منها أسفارها، وما أظهر من تولى اطهارها! وأطهر من باشر إظهارها!
وكان الفرنج قد قطعوا من الصخرة قطعا وحملوا منها إلى قسطنطينية، ونقلوا منها إلى صقلية. وقيل باعوها بوزنها ذهبا، واتخذوا ذلك مكسبا. ولما ظهرت؛ ظهرت مواضعها؛ وقطعت القلوب لما بانت مقاطعها؛ فهي الآن مبرزة للعيون بحزها، باقية على الأيام بعزها، ومصونة للإسلام في خدرها وحرزها. وهذا كله تم بعد انفصال السلطان والشروع في العمران.
وأمر بترخيم محراب الأقصى، وأن يبالغ فيه ويستقصى. وتنافس ملوك بني أيوب فيما يؤثر بها الآثار الحسنة، وفيما يجمع لهم ود القلوب وشكر الألسنة. فما منهم إلا من أجمل وأحسن، وفعل ما أمكن، وجلا وبين. وحلا وزين. وأشفق وأنفق، وأغنى وأقنى، واعتنى وابتنى. ووفى وأوفى، وأصفى وأضفى.
وأتى (الملك العادل سيف الدين أبو بكر) بكل صنع بكر، موجب لكل شكر. وكل فعل جميل، ورفد جزيل، ومن جلى ومنح جليل. ومكرمة حميدة، ومحمدة كريمة. وفضيلة بها تلاجح، وووسيلة بها (تنجح).
وأتى (الملك المظفر تقي الدين عمر) بكل ما عم به العرف وغمر، ونهى وأمر، وبنى وعمر. ومن جمله أفعاله المشكورة، ومكرماته المشهورة؛ أنه حضر يوما
في قبة الصخرة، مع جماعة من السراة والأسرة ومعه من ماء الورد أحمال، ولأجل الصدقة والرفد مال. فانتهز فرصة هذه الفضيلة التي ابتكرها بالافتراض، وتولى بيده كنس تلك الساحات والعراص. ثم غسلها بالماء مرارا حتى تطهرت، ثم اتبع الماء بماء الورد صبا حتى تعطرت. وكذلك طهر حيطانها، وغسل جدرانها. ثم أتى بمجامر الطيب فتبخرت، وتضوعت وتعرفت. وفغمت مناشق أهل الهدى، وأرغمت آناف العدا.
وما زال مع قومه؛ في تطهير البقعة المباركة طول يومه؛ حتى تيقنت طهارتها؛ وبينت عمارتها،
1 / 80