وضراعات قبلت، وفرض من الولاية الإلهية انتهزت وحصص من العناية الريانية أحرزت.
وصلى السلطان في قبة الصخرة، والصفوف على سعة الصحن بها متصلة، والأمة إلى الله بدوام نصره مبتهلة، والوجوه الموجهة إلى القبلة علية مقبلة. والأيدي إلى الله مرفوعة، والدعوات له مسموعة. ثم رتب في المسجد الأقصى خطيبا استمرت خطبته، واستقرت نصبته.
وصف الصخرة المعظمة عمرها الله
وأما الصخرة فقد كان الفرنج قد بنوا عليها كنيسة ومذبحا، ولم يتركوا فيها للأيدي المتبركة ولا للعيون المدركة ملمسا ولا مطمحا. وقد زينوها بالصور والتماثيل، وعينوا بها مواضع الرهبان ومحط الإنجيل، وكملوا بها أسباب التعظيم والتبجيل. وأفردوا فيها لموضع القدم قبة صغيرة مذهبة، بأعمدة الرخام منصبة. وقالوا محل قدم المسيح، وهو مقدم التقديس والتسبيح وكانت فيها صور الأنعام مثبتة في الرخام. ورأيت في تلك التصاوير أشباه الخنازير. والصخرة المقصودة المزورة،
بما عليها من الأبنية مستورة، وبتلك الكنيسة المعمورة مغمورة.
فأمر السلطان بكشف نقابها، ورفع حجابها، وحسر لثامها، وقشر رخامها، وكسر رجامها، ونقض بنائها، وفض غطائها. وإبرازها للزائرين، وإظهارها للناظرين. ونزع لبوسها، وزفاف عروسها. وإخراج درها من الصدف، واطلاع بدرها من السدف. وهدم سجنها، وفك رهنها، وإراءة حسنها، وإضاءة يمنها. وإبداء وجهها الصبيح، وجلاء شرفها الصريح. وردها إلى الحالة الحالية، والقيمة الغالية، والرتبة العالية. وهي التي حليها عطل، وعطلها حلى، وعريها كسوة وكسوتها عرى.
فعادت كما كانت في الزمن القديم، وشهدت حين شوهدت بحسبها الكريم، وسيم بهاء حسنها الوسيم. وما كان يظهر منها قبل الفتح إلا قطعة من نحتها، قد أساء أهل الكفر من تحتها. وظهرت الآن أحسن ظهور، وسفرت أيمن سفور، وأشرقت القناديل من فوقها نورا على نور. وعملت عليها حظيرة من شبابيك حديد، والاعتناء بها إلى الآن كل يوم في مزيد.
ورتب السلطان في قبة الصخرة إماما من أحسن القراء تلاوة، وأزينهم طلاوة. وأنداهم صوتا، وأسماهم في الديانة صيتا. واعرفهم بالقراءات السبع بل العشر، وأطيبهم في العرف والنشر. وأغناه وأقناه، وأولاه لما ولاه. ووقف عليه دارا وأرضا وبستانا، وأسدى إليه معروفا دارا وإحسانا.
وحمل إليها وإلى محراب المسجد الأقصى مصاحف وختمات؛ وربعات معظمات؛ لا تزال بين أيدي الزائرين على كراسيها مرفوعة، وعلى أسرتها موضوعة.
ورتب لهذه القبة خاصة؛ وللبيت المقدس
1 / 79