قلت: لكل من القضاء والقدر ثلاثة معاني. أما القضاء فمعنى الخلق والتمام كقوله تعالى:[ ] { فقضاهن سبع سموات } (.....)وبمعنى الأمر والإلزام كقوله تعالى: [ ] { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } (1) أمر ولزم معناه الأعلام كقوله تعالى: [ ] { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدون في الأرض } (2) أي أعلمناهم فالمعنيات أن الأوان لا يجوز إطلاقها على الله تعالى من المعاصي فلا نقول قضى الله بالمعاصي لمعنى خلقها ولا لمعنى أبر بها لما تقدم من أنه لا يفعل القبيح وسيأتي أنه لا يريده ويأمر به ويجوز المعنى الثالث أن نقول قضاء الله بالمعاصي لكن لأنه أن تعيد هذا اللفظ بل بلفظ أخر وهو أن يقول معنى علم أنها ستفعل لأنك إذا لم تنطق بهذا أطلقت عليه ما يوهم الخطأ إن لم يكن في نفس الأمر خطأ وذلك لا يجوز (......)وهو أيضا بمعنى الخلق كقوله تعالى: [ ] { قدر فيها أقواتها } (3) والعلم نحو [ ] { قدرناها من الغابرين } (4) والكتابة كقول العجاج [ ]"واعلم فإن ذا الجلال قد قدر في الصحف الأولى "[11أ -أ] التي كان منذر أمرك هذا ما ثبت منه النبي ولا يجوز إطلاقها على الله تعالى بل لا بد من ما قدمنا وأما الفاعل المشتركة بين معان مختلفة يجوز إطلاقها على الله تعالى دون بعض إلا كثير منها الضلال لمعنيان العذاب في ضلال وسعر وحمل على هذا ضلال(.....)[ ] { يضل به كثيرا } (5) أي يعذبهم بسبب جحدهم ولا يقول أضل الله الظالمين(.....) لأنه يوهم أنه معنى أغواهم عن الرشد كما وصف الله سبحانه فرعون حيث قال: [ ] { وأضل فرعون قومه وما هدى } (1) لأن الله تعالى لا يفعل القبيح ولما الهدا فيجوز أن يقول لا يهدي الله الفاسقين لم ينبغي ذلك أن يقول أعني لا ينهاهم كما قال تعالى: [ ] { الذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم } (2) أي ينبئهم ولا يعقل غير ذلك ولا تقول [ ] { لا يهدي الله الفاسقين } (3)وسكت لأنه يوهم أنك تعني لا ينبغي لهم وهو تعالى لا يخل بالواجب فإذا ثبت أن إطلاق المعاصي من قضاء الله وقدره توهم الحظ الذي قدمنا لما إطلاقها من دون قبل فافهم.
قلت: فثبت دليل المختصر ولنا على ذلك دليل أخر وهو أن المعاصي لو كانت في قضاء الله تعالى وقدره لوجب الرضاء بها لقوله تعالى على لسان نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- [ ]((من لم يرضى بقضائي ويصبر على بلائي فليطلب ربا سواي)) (4) والأمة مجمعة على تخطيه من رضى بقتل الأنبياء وهدم المساجد من غير حق ونحو ذلك.
صفحه ۴۶