فالذي تؤثر المصيبة عليه إلى حد تفقده صوابه لا يقف بعدها بساعة يحاجج ويجادل ويقاوم ويناضل (1). ونحن نعلم أيضا أن عمر لم يكن يرى ذلك الرأي الذي أعلنه في تلك الساعة الحرجة قبل ذلك بأيام أو بساعات حينما اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرض وأراد أن يكتب كتابا لا يضل الناس بعده، فعارضه عمر وقال: إن كتاب الله يكفينا وأن النبي يهجر (2)، أو قد غلب عليه الوجع كما في صحاح السنة. فكان يؤمن بأن رسول الله يموت وأن مرضه قد يؤدي إلى موته وإلا لما اعترض عليه وقد جاء في تاريخ ابن كثير أن عمر بن زائدة قرأ الاية التي قرأها أبو بكر على عمر قبل أن يتلوها أبو بكر فلم يقتنع عمر وإنما قبل كلام أبي بكر خاصة واقتنع به (3) فما يكون تفسير هذا كله إذا لم يكن تفسيره إن عمر شاء أن يشيع الاضطراب بمقالته بين الناس لينصرفوا إليها وتتجه الأفكار نحوها تفنيدا أو تأييدا ما دام أبو بكر غائبا، لئلا يتم في أمر الخلافة شئ ويحدث أمر لا بد أن يحضره أبو بكر - على حد تعبيره - وبعد أن أقبل أبو بكر اطمأن باله، وأمن من تمام البيعة للبيت ا لهاشمي ما دام للمعارضة صوت في الميدان، وانصرف إلى تلقط الأخبار حادسا بما سيقع، فظفر بخبر ما كان يتوقعه.
---
(1) راجع: تاريخ الطبري 2: 235. (2) راجع الرواية في صحيح البخاري 1: 37 كتاب العلم - باب كتابة العلم، و8: 161، كتاب الاعتصام - طبعة دار العامرة - استانبول، دار الفكر - بيروت. (3) البداية والنهاية / ابن كثير 5: 213 - نشر دار الكتب العلمية - بيروت.
--- [78]
صفحه ۷۷