وإذا أردنا أن نمسك بخيوط الثورة الفاطمية من اصولها، أو ما يصح أن يعتبر من اصولها، فعلينا أن ننظر نظره شاملة عميقة لنتبين حادثتين متقاربتين في تاريخ الأسلام، كان أحدهما صدى للاخر وانعكاسا طبيعيا له، وكانا معا يمتدان بجذور هما وخيوطهما الاولى إلى حيث قد يلتقي أحد هما بالاخر أو بتعبير أصح إلى النقطة المستعدة في طبيعتها إلى أن تمتد منها خيوط الحادثتين. أحدهما: الثورة الفاطمية على الخليفة الأول التي كادت أن تزعزع كيانه السياسي، وترمي بخلافته بين مهملات التاريخ. والاخر: موقف ينعكس فيه الأمر فتقف عائشة ام المؤمنين (1) بنت الخليفة الموتور في وجه علي زوج الصديقة الثائرة على أبيها. وقد شاء القدر لكلتا الثائرتين أن تفشلا مع فارق بينهما مرده إلى نصيب كل منهما من الرضا بثورتها، والاطمئنان الضميري إلى صوابها وحظ كل منهما من الانتصار في حساب الحق الذي لا التواء فيه وهو أن الزهراء فشلت بعد أن جعلت الخليفة يبكي ويقول: أقيلوني (2) بيعتي، والسيدة عائشة فشلت فصارت تتمنى أنها لم تخرج إلى حرب (3) ولم تشق عصا طاعة.
---
(1) إشارة إلى يوم الجمل المشهور، وكان أبطاله الزبير وطلحة وعائشة ام المؤمنين وذلك سنة 36 ه، وكان موقع المواجهة في البصرة. راجع: تاريخ الطبري 3: 476 حوادث سنة 36 ه، مطبعة الاستقامة - القاهرة. (2) راجع: أعلام النساء 4: 124، قال أبو بكر بعد المحاورة مع الزهراء: أقيلوني. تاريخ الطبري 3: 353، وفيه: قال أبو بكر رضى عنه الله أجل، إني لا آسى على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن، وودت أني تركتهن... وذكر منها: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ)، شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 6: 41 في حبه للأمارة. (3) راجع: تاريخ ابن الأثير 3: 111، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي: 80 - 81، إصدار مكتبة نينوى الحديثة - طهران.
--- [61]
صفحه ۶۰