واللين والدلة منهم في أيام صاحبيه. ونفهم من هذا أن الحاكمين كانوا في ظرف دقيق لا يتسع للتغيير والتبديل في اسس السياسة ونقاطها الحساسة لو أرادوا إلى ذلك سبيلا، لأنهم تحت مراقبة النظر الأسلامي العام الذي كان مخلصا كل الأخلاص لمبادئه، وجاعلا لنفسه حق الأشراف على الحكم والحاكمين، ولأنهم يتعرضون لو فعلوا شيئا من ذلك لمعارضة خطرة من الحزب الذي ما يزال يؤمن بأن الحكم الأسلامي لا بد أن يكون مطبوعا بطابع محمدي خالص، وأن الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يطبعه بهذا الطابع المقدس هو علي - وارث رسول الله ووصيه وولي المؤمنين من بعده
---
(1). وأما الفتوحات الأسلامية فكان لها الصدارة في حوادث تلك الأيام ولكننا جميعا نعلم أيضا أن ذلك لا يسجل للحكومة القائمة في أيام الخليفتين بلونها المعروف مجدا في حساب التاريخ ما دام كل شأن من شؤون الحرب ومعداته وأساليبه يتهيأ بعمل أشبه ما يكون بالعمل الأجماعي من الامة الذي تعبر به عن شخصيتها الكاملة تعبيرا عمليا خالدا، ولا يعبر عن شخصية الحاكم الذي لم يصل إليه من لهيب الحرب شرر، ولم يستقل فيه برأي، ولم يتهيأ له إلا بأمر ليس له فيه أدنى نصيب ، فإن خليفة الوقت سواء أكان وقت فتح الشام أو العر اق ومصر لم يعلن بكلمة الحرب عن 20 قوة حكومته ومقدرة شخصه على أن يأخذ لهذه الكلمة اهبتها، بل أعلن عن قوة
---
(1) تاريخ الطبري 3: 218 - 219 حديث الدار - طبعة المطبعة الحسينية بمصر، تفسير الخازن 3: 371 - طبعة دار المعرفة، الخصائص / النسائي: 86 - 87، المستدرك 3: 126.
--- [52]
صفحه ۵۱