صحيح أن الأسلام في أيام الخليفتين كان مهيمنا، والفتوحات متصلة والحياة متدفقة بمعاني الخير، وجميع نواحيها مزدهرة بالانبعاث الروحي الشامل، واللون القرآني المشع، ولكن هل يمكن أن نقبل أن التفسير الوحيد لهذا وجود الصديق أو الفاروق على كرسي الحكم ؟ (1) والجواب المفصل عن هذا السؤال نخرج ببيانه عن حدود الموضوع، ولكنا نعلم أن المسلمين في أيام الخليفتين كانوا في أوج تحمسهم لدينهم، والاستبسال في سبيل عقيدتهم، حتى إن التاريخ سجل لنا (إن شخصا أجاب عمر حينما صعد يوما على المنبر وسأل الناس: لو صرفناكم عما تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين ؟ - إذن كنا نستتيبك فإن تبت فبلناك، فقال عمر: وإن لم ؟ - قال نضرب عنقك الذي فيه عيناك. فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الامة من إذا اعوججنا أقام أودنا) (2). ونعلم أيضا أن رجالات الحزب المعارض - وأعني به أصحاب علي - كانوا بالمرصاد للخلافة الحاكمة، وكان أي زلل وانحراف مشوة للون الحكم حينذاك كفيلا بأن يقلبوا الدنيا رأسا على عقب، كما قلبوها على عثمان - يوم اشترى قصرا، ويوم ولى أقاربه، ويوم عدل عن السيرة النبوية المثلى (3) - مع أن الناس في أيام عثمان كانوا أقرب إلى الميوعة (4) في الدين
---
(1) طرح مثل هذا الافتراض يعد منطقيا ومتسقا مع المنهج العلمي في صدد تقديم تفسير دقيق للمرحلة التاريخية. (2) القضية مشهورة في سيرة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. (3) راجع: تاريخ الطبري 2: 651، فقد نقل المحاورة بين الخليفة عثمان والوفود التي قدمت من مصر وغيرها للتفاوض معه، وفيها تصريح بهذه الامور. (4) المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين، المجلد الرابع: 268 - دار الكتاب اللبناني - بيروت.
--- [51]
صفحه ۵۰