128

فجر اسلام

فجر الإسلام

ژانرها

والخلفاء من بعده واهتمامه بتعرفها، فترى من هذا أن شخصيته العلمية كانت كثرة الجمع ودقة النقل، لا كثرة الاستنباط، ولا وفرة الفتوى.

ونموذج آخر نراه في عبد الله بن عباس، كما تصوره لنا كتب السير والتفسير، فقد كان واسع الاطلاع في نواح مختلفة، يعرف الشعر والأنساب وأيام العرب، ويجتهد في تعرف ما عند الصحابة من حديث وعلم، يقول: «وجدت عامة حديث رسول الله عند الأنصار، فإن كنت لآتي الرجل فأجده نائما، لو شئت أن يوقظ لي لأوقظ، فأجلس على بابه تسفي على وجهي الريح، حتى يستيقظ متى استيقظ، وأسأله عما أريد ثم أنصرف»؛ كذلك كان يعلم ما ورد في تفسير القرآن، وأسباب نزوله، وحساب الفرائض والمغازي، ويعرف شيئا من الكتب الأخرى كالتوراة والإنجيل، وكانت أكثر حياته حياة علمية يتعلم ويعلم، لم يشتغل بالإمارة إلا قليلا، لما استعمله علي على البصرة، وعمر طويلا، فقد مات نحو سنة 70ه عن نحو سبعين عاما؛ وكان عبد الله بن عمر يتهمه بالجرأة في تفسير القرآن ثم عدل عن ذلك

16 .

فترى من هذا صورة أخرى غير السابقتين، ترى فيها ضربا من تخصيص الحياة للعلم، وضربا من سعة الاطلاع في نواح علمية مختلفة، نعم قد أحيط اسمه ببعض المبالغات - على ما يظهر - نشأت في الدولة العباسية لما كان جد الخلفاء، ولكن لهذه المبالغات أساسا صحيحا من سعة العلم وقوة الحجة، وأكثر ما اشتهر به أقواله في تفسير القرآن.

وشخصية رابعة هي أصعب ما يكون تصويرا؛ دخلها من المبالغات والأكاذيب ما وقف المؤرخ حائرا، تلك هي شخصية علي بن أبي طالب؛ فليس هناك من الشخصيات في ذلك العصر ما دار حوله الجدل، وأفرط فيه المحبون والكارهون، واختلق حوله المختلقون، وتأسست من أجله المذاهب الدينية، كالذي كان لشخصية علي؛ فقد رووا عنه 686 حديثا مسندا إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم

لم يصح منها إلا نحو خمسين

17 ، ونسبوا إليه ديوان شعر، ويقول المازني: إنه لم يصح أن تكلم بشيء من الشعر غير بيتين:

تلكم قريش تمناني لتقتلني

فلا وربك ما بروا ولا ظفروا

صفحه نامشخص