- قد يقعُ على كلامٍ نقلَهُ هذا الأخيرُ عن ابن الأثير مثلًا، فعندئذٍ يقولُ: «قال ابنُ الأثير ......»؛ مُشعِرًا القارئَ أنَّه اهتدى إلى هذا الموضع ابتداءً، والَّذي ينفي ذلك أنَّ كُتبَ ابن الأثير ليست من مصادرِه أوَّلًا، وأنّه في التَّحقيق تبيَّنَ أنَّ القولَ الَّذي ساقَه العمريُّ لابن الأثير وردَ بحروفه في المطوَّل، وكان حكاهُ التَّفتازانيُّ عن ابن الأثير بتصرُّفٍ مُفرِطٍ ثانيًا، وما قيلَ في المطوَّل يُقالُ في خزانة ابن حِجَّة، وفي المختصَر، وفي غيرِها، وما قيلَ في المثل السَّائر يُقالُ في أسرار البلاغة، وفي الكشّاف، وفي مقامات الحريريّ، وفي تحرير التَّحبير، وفي غيرِها.
ولكي لا نظلِمَه لا بُدَّ من الإقرارِ أنَّ هذه الجوانبَ الَّتي أشرتُ إليها ليستْ منهجًا مُطَّرِدًا في تناولِه لمصادرِه، فهو في جملةِ ما نقلَه كانَ يجنَحُ إلى الوضوحِ والدِّقَّةِ، وقد يُبالِغ في ذلك؛ فيقدِّمُ لِما ينقلُ بقوله: «قال ابنُ حِجّة»، وبعد تمام النَّقل يقولُ: «انتهى كلامُ ابنِ حِجّة بحروفِه».
• النَّزعة التَّعليميّة، وأظهرُ معالِمها في هذا الشَّرح:
لعلَّ السِّمَةَ الغالبةَ على أسلوب العمريِّ في الشَّرحِ النَّزعةُ التَّعليميَّةُ، وهي نزعةٌ أملَتْها رغبتُه في إقامةِ شرحٍ على أرجوزةِ مئة المعاني والبيان، يوضِّحُها غايةَ الإيضاح، وأكبرُ الظَّنِّ أنَّه أدركَ غايتَه هذه، أو كاد. ولو وقفنا على ما في الشَّرح لَرأيناهُ شَرحًا متوسِّطًا، ظهرَتْ فيه (ملامحُ المدرِّسِ) الَّذي يجنحُ إلى (الإيضاح)، و(حُسْنِ العَرْض والتَّرتيب).
أمَّا ملامحُ المدرِّسِ فقد بدَتْ في كثيرٍ من عباراتِه الَّتي دَأَبَ على مُخاطبةِ قارئه بها؛ ولاسيَّما لفظ: «اعلم»، ونُحِسُّ أحيانًا بوَقْعِ هذه النَّزعة، وذلك في نحو قوله: «فتأمَّلْ»، و«فتدبَّرْ»، و«لا يخفى على الفَطِن».
ومن نزعته التعليميّة وقوفُه على أمورٍ بسيطة، كشرح كلمة واضحة المعنى؛ كقوله: «سقيمًا، أي: ضعيفًا»، أو تحديدٍ لموطن التَّمثيل في
1 / 54