البيت؛ كقوله مثلًا: «والشَّاهد في المصراع الأوَّل»، أو الاستكثار من إيرادِ الأمثلة على اللَّون البلاغيّ الواحد، أو المبالغة في بيانِ عَوْد الضَّمائر كما سَلَف.
ولا يبعُدُ أيضًا أنْ يكونَ إكثارُهُ من ضمير المتكلِّمِين؛ نحو: «كما بَيَّنَّاه»، و«لأنَّا نقولُ ..»، و«كما قرَّرْنا»، أو المتكلِّم؛ نحو: «قلتُ»، و«رأيتُ»، و«فأُورِدُها» ... أثرًا من آثارِ هذه النَّزْعة التَّعليميَّة، ومثلُ هذا الدُّنُوِّ الشَّديد من القارئِ قلَّ أنْ نجدَ له نظيرًا عندَ غيرِه من الشَّارحين.
وأمَّا الرَّغبةُ في الإيضاحِ فإنَّها سِمةٌ اطَّرَدَتْ في الشَّرحِ، سواءٌ في العِبارة، أم في طريقة العَرْض، فالعمريُّ كانَ يسعى إلى توضيحِ ما في المتن، وشَرْحِ ما غَمُضَ أو ما هو دونَه، فبيَّنَ مضمونَ كلامِ النَّاظمِ، وعرضَ لِما حواهُ من قواعدَ ومسائل، مُدعِّمًا إيَّاه بالأمثلة الوافرة، كلُّ ذلك بعباراتٍ أقرب ما تكونُ إلى الجَلاء والسُّهولة، لا تعقيدَ فيها ولا التواء.
ولعلَّ رغبتَه هذه هي الَّتي جعلَتْهُ يُمهِّدُ لكُلِّ مبحثٍ يريدُ شرحَه بجسورٍ سلَفَ بيانُها، فالقارئُ ينتقِلُ من مبحثٍ إلى آخرَ، مشدودَ الذِّهنِ إلى النَّصِّ، وأظنُّ شرحَ العمريِّ أكثرَ شروحِ مئة المعاني أُلفةً في هذا الباب.
وهذه الرّغبةُ نفسُها هي الَّتي دفَعتْه في غير موضعٍ إلى إجمالِ ما سَبَق، ولَمِّ ما تفرَّق، ومَلءِ شَرحِه بالتَّعليلات، بعضُها يتَّصلُ بتوجيه عبارةِ المتنِ، وبعضُها يتَّصلُ بتوجيه كلامِه هو، وما تبقَّى فتعليلاتٌ قَصَدَ بها التَّفسيرَ وإظهارَ العِلَلِ الَّتي استوجبَتْ وُقوعَ الأحكامِ، وهي كثيرةٌ لا يكادُ يخلو منها موضعٌ من الشَّرح.
ولعلَّها هي الَّتي جعلتْهُ أيضًا يلتفِتُ إلى بعضِ الأشعارِ الَّتي استَشهدَ بها، فيُتبِعُها أحيانًا بِحَلِّ ألفاظِها، أو إجمالِ مَعانيها.
وكذا دفعَتْه إلى الجنوح عن الاستطرادات والتَّنبيهات، فكانَ قريبًا من
1 / 55